(مجرد وجهة نظر)
بقلم الأديبة د. جميلة الكجك
عمرو بن العاص
هذا الذي انتهى الطاعون على يده بحكمته وذكائه.
"ففي سنة 17هـ أراد عمر رضي الله عنه أن يزور الشَّام للمرَّة الثَّانية، فخرج إِليها، ومعه المهاجرون، والأنصار حتّى نزل بِسَرْغٍ على حدود الحجاز والشَّام، فلقيه أمراء الأجناد، فأخبروه: أنَّ الأرض سقيمةٌ، وكان الطَّاعون بالشَّام، فشاور عمر رضي الله عنه واستقرَّ رأيه على الرُّجوع.
وبعد انصراف عمر رضي الله عنه حصل الطَّاعون الجارف المعروف بطاعون عِمَواس وكانت شدَّته بالشَّام، فهلك به خلقٌ كثيرٌ، منهم: أبو عبيدة بن الجرّاح، وهو أمير النَّاس، ومعاذ بن جبل، ولم يرتفع عنهم الوباء إِلا بعد أن وليهم عمرو بن العاص، فخطب النَّاس، وقال لهم: أيُّها الناس! إِنَّ هذا الوجع إِذا وقع إِنما يشتعل اشتعال النَّار، فتجنَّبوا منه في الجبال، فخرج، وخرج النّاس، فتفرقوا حتّى رفعه الله عنهم، فبلغ عمر ما فعله عمرو، فما كرهه".
أقول:
في ثنايا هذا الفعل الاحترازي الحكيم لمواجهة الوباء يكمن الفهم السليم لقضاء الله وقدره. فقد فهم عمرو بن العاص كما فهم عمر بن الخطاب من قبله أن وجود مسببات الأمراض من القدر الذي قد تتعرّض له المخلوقات دون تمييز، وأن القضاء أوامره وأحكامه سبحانه. وأن القدر يمكن الإحتراز منه ولذا يتحمّل الإنسان مسؤولية أفعاله مهما كانت بسيطة أو معقّدة. أمّا القضاء فهو ممّا يجب تحكيمه في حياة العقلاء. ولا يكون الإنسان عاقلًا على الحقيقة إلّا إن تفكّر وتدبّر واستنتج ثمّ طبّق بعد أن يكون قد استنفذ جهده وبذل طاقته في استخلاص ما يجب عليه فعله ولذا فهو يثاب على إلتزام أوامر الله ونواهيه، ولكن عن وعي وفهم وإدراك، فالأولى سنن الله في كونه والثانية أحكامه سبحانه.
وأرجو أن لا أكون قد جانبت الصواب.
Post A Comment: