.                            علي حسين


تخوض الاوساط الثقافية والاكاديمية في فرنسا معركة حول قبر الشاعر آرثر رامبو حيث وجه عدد كبير من المثقفين الفرنسيين ومعهم عدد من وزراء الثقافة الفرنسيون السابقون عريضة تدعو الرئيس الفرنسى ماكرون ان ينقل جثمان آرثر رامبو الى مقبرة العظماء  "البانثيون " الى جوار عظماء فرنسا امثال  روسو وفولتير وزولا وهوغو.. وقد كان الامر سيصبح مرحبا به من عشاق الشاعر رامبو لولا ان اصحاب العريضة طالبوا بنقل رفات الشاعر فيرلين  ايضا ليدفن مع رامبو في مقبرة العظماء .. وهو الامر الذي اثار حفيظة عشاق رامبو الذين اعتبروا ان هذا الطلب هو مخالف الى تجربة وحياة الشاعر رامبو الذي كان متمردا ضد المؤسسات الرسمية ، لكن الاعتراض الاكبر جاء من عائلة رامبو حيث قالت إحدى حفيداته المتحدرة من شقيقه فريديرك، "إذا أدخل رفات رامبو وفيرلين إلى البانتيون معاً فالعالم سيفكر فوراً بمثليتهما". واعبترت أن هذه العلاقة الملتبسة لم تدم إلا بضع سنوات في مطلع فتوة رامبو.
 فيما طرح بيان الجماعات المناصرة لرامبو قضية العلاقة بين الشاعرين، فرامبو لم يكن مثيلياً طوال حياته حسب رايهم ، وعلاقته بفيرلين يصفها فيرلين نفسه بـ"الحلم السىء ، ومعروف أن فيرلين كان متزوجاً وكانت له مغامرات عشقية مع نساء كتب عنهنّ قصائد. أما رامبو فعاش مغامرة مع امرأتين فى عدن إحداهما حبشية وكاد أن يتزوجها. وقال البيان: "أيها الرئيس المنتبه للرموز، لا ترتكب هذه الزلة، لا تقتلع رامبو من أرضه الأم. دع رامبو الذى نادى بـ"الحرية الحرة" يرقد بهدوء بين أهله. وأورد البيان أن شاعراً واحداً كبيراً يرقد حتى الآن في " البانتيون " هو فيكتور هيغو من أصل 78 شخصية تستحق الدخول إليه، وإذا أرادت الدولة أن تصحح هذا النسيان فعليها أن تدفن هناك رفات شخصيات كبيرة مثل بودلير وجان راسين وموليير ولا فونتين وسان جون بيرس وسواهم. أما إدخال شاعرين معاً وليس شاعراً واحداً أي "ثنائياً مثلياً" ضمناً، فهذا ما لا يبدو بريئاً. فهل يدخلان لإبداعهما الشعري أم لعلاقتهما؟ ورأى البيان أن الجمع بين الاسمين هنا هو تبسيط ثقافي وخطأ أدبي لأنهما ليسا من القامة نفسها. 
قبل " 129 "  عاماً توفي شاب لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره في إحدى مستشفيات مارسيليا مصاباً بـ " الغنغرينا " ، وقد بُترت إحدى ساقيه وكان الأطباء على وشك أن يبتروا ساقه الثانية ، قال لشقيقته التي ترافقه في المستشفى :" إذا اضطررت ذات مرة الى أن تُقطعي أجزاء ومزقاً، فلا تسمحي للأطباء بذلك . إذ لو فعلت ذلك لاضطررت الى التمرّن على أعمال بهلوانية طوال النهار في سبيل أن تكوني شبه موجودة " ..
كانت هذه الرسالة قد أرسلت في الثامن من تشرين الثاني عام 1891 ، وبعد يومين ستعلن إدارة المستشفى وفاة جين نيقولا آرثر رامبو ..وقد اختلفت التقارير حول سبب إصابته بالغرغرينا ، فالبعض يعزوه الى سقطة من حصان تسببت بجروح عميقة بركبته ، فيما اكد البعض الآخر أنه أصيب بمرض الزهري .
قبل وفاته بستة أيام كانت شقيقته قد كتبت في دفتر يومياتها :" دخلت الى غرفة آرثر في الساعة السابعة صباحاً . كان ينام مفتوح العينين ، وتنفسه متقطع ، وكان يبدو نحيلاً جداً ، وشاحباً بعينيه الغامضتين في محجريهما والمحاطتين بدوائر من السواد . كنت أنظر إليه نائماً وأنا أقول لنفسي بأنه يستحيل عليه العيش على هذه الصورة وقتاً طويلاً ، يبدو مريضاً جداً ، استيقظ بعد خمس دقائق شاكياً على عادته ، لأنه لم يعرف النوم ، ولأنه تألم كثيراً ، وهو يتألم عند الاستيقاظ ..ثم يستغرق في نوع من أنواع السبات الذي لا يشله النوم أبداً .. عند الاستيقاظ ينظر من خلال النافذة الى الشمس اللامعة أبداً في سماء بلا غيوم ، ويشرع بالبكاء قائلاً إنه لن يرى الشمس في الخارج أبداً ، سأمضي تحت الأرض يقول ، وأنتِ تمشين تحت الشمس " .. ونجده قبل وفاته بيوم واحد يملي على شقيقته هذه الرسالة التي يوجهها إلى مديرالنقليات البحرية الذي كان يعمل معه :" أوجه رسالتي لك لمعرفة إذا كنت أبقيت شيئاً في حسابي عندكم ، أرغب في الانتقال بالوقت الحاضر من هذه الرحلة التي لا أعرف اسمها ، وليكن ذلك الى سفينة افيتار في سائر الرحلات ، الرحلات موجودة هنا في كل مكان ، وأنا كسيح بائس لا أستطيع إيجاد شيء وأي كلب في الشارع يؤكد لك ذلك " .
ولد جين نيقولا آرثر رامبو في العشرين من تشرين الأول عام 1854 ، حيث تبدأ أسطورة الطفل التي قالت أمه إنه ولد وعينيه مفتوحتان على الدنيا كان الأب ضابطاً في الجيش ، لايعرف الاستقرار ،  حارب في الجزائر ، كثير الترحال ، لم يزر بيته سوى مرّات متعددة  ، أما الأمّ فقد كانت إبنة مزارع شديدة التديّن ، ، قال رامبو إنه لم يرَ أمه تبتسم في يوم من الأيام ، ، انجبت أربعة أطفال ، أصبحت مسؤولة عنهم بعد أن قرر الأب مغادرة  المنزل بلا رجعة حين كان آرثر في السادسة من العمر ، تنعكس علاقة رامبو الصعبة مع والدته الاستبدادية في العديد من قصائده المبكرة ، حيث نجده يتمرد على فكرة المعتقد الديني التقليدي والكآبو الاسرية . في الثامنة من عمره ترسله أمّه الى مدرسة " روسا " المعروفة بنزعتها العلمانية ، وفي هذه المدرسة سيتعلم اللاتينية ويكتب بها بعض القصائد القصيرة ، يخبر أمّه أن لا فائدة من تعلم التاريخ والجغرافية ، فالمستقبل للشعر . ورغم هذا فإنه يتفوق في دراسته ، في عام 1865 يدخل المدرسة الثانوية ، وبعد عام يقرر الأساتذة نقله الى الصف الرابع مباشرة ، وتتحول الدراسة عنده الى تعويض عن الجو الأسري الخانق وحالة السكون التي فرضتها الأمّ على البيت .. أولى القصائد التي كتبها لم تكن بالفرنسية فقط ، بل اللاتينية واليونانية أيضاً، مهداة ومرسلة إلى ابن نابليون الثالث..في المدرسة يتفرغ للقراءة فيتعرف على أشعار تيول جوفوتيه وبول فيرلين ويعكف على دراسة أشعار فكتور هيجو وورابليه ، في تموز عام  1869 ، شارك في المسابقة الأكاديمية ، حيث فاز بسهولة بالجائزة الأولى .، وسيقول عنه مدير المدرسة : "ستكون في هذه الرأس ، عبقرية الشر أو الخير. 
في 24 أيار 1870 ، كتب آرثر رامبو ، الذي كان يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً ، رسالة إلى الشاعر ، ثيودور دي بانفيل. في هذه الرسالة ، يخبره بأنه سيصبح مثله إما "شاعراً أو لا شيء "، وكان رامبو قد أعلن وهو في الـ16 عن نيّته كتابة نمط جديد من الشعر، عندما أصبح في الـ17، اندلعت أحداث كومونة باريس فيقرر الهرب إلى باريس على نفقة الشاعر بول فيرلين، من هناك يعلن إنه قادرعلى تغيير العالم، ونجده يؤيد الثورة التي حدثت ضد نابليون الثالث وسوف يهتف قائلاً :" الثورة منتصرة ..دُحِر النظام " .. لكنه بعد ذلك يعترف أن الكومونة ستكون ثورة فاشلة ، يقول لفيرلين إن :" الشاعر الحق لا يسلم رؤيته لمنطق الشعارات والإملاء السياسي " ونجده يكتب في يومياته :" عدمٌ وسديمٌ جميع الثورات الممكنة وحتى الحتمية " .. في قصيدته " ديمقراطية " المنشورة في كتابه إشراقات – ترجمه الى العربية كاظم جهاد وهناك ترجمة لخليل الخوري وأخرى لقيس خضور وآخر الترجمات ضمن الأعمال الكاملة التي ترجمها الى العربية رفعت سلام - يكتب رامبو :" في البلاد الغنية بالبهار والمطر ، سوف نخدم أبشع أنواع الاستغلال الصناعي والعسكري .. " تكتب سوزان برنار في مقدمة كتاب إشراقات :" نرى هنا الأفكار التحررية والأخويّة قد تم التعبير عنها بقوة باستخدام الجمل الهجائية ، تلك الأفكار التي بقيت على الدوام أفكار رامبو ، كما نرى أيضاً الكراهية التي تولّدها في نفسه الديمقراطية الغربية ، وترى سوزان برنار أن رامبو استبق الجميع في التحذير من أسطورة الديمقراطية القادمة بقوة السلاح ، المنحرفة عن وظيفتها الحقيقية لتتحول الى دعامة من دعامات الأداء الدكتاتوري .. كان رامبو في باريس اتخذ قراره حول موقفه من البرجوازية والدين والكنيسة والامبراطورية والنظام والعادات والتقاليد والمجتمع والثورة والأسرة .. إنه التمرد على واقع يُسلب الإنسان حريته واستقلاليته ، وسينال رامبو الشهرة بسرعة حتى أصبح يطلق عليه الشاعر الثوري الذي يتحدى عادات المجتمع والأخلاق، عبر قصائد تفيض بالسحر والعذوبة ، وأيضاً عبر أسلوب حياته الذي اتسم بالتمرد والعبث . وانتشرت قصائده حتى تمكن من أن يفوز بجائزة نيويورك .وفي باريس توطدت علاقته بالشعراء وخاصة بول فيرلين الذي كان معجباً به قبل أعوام، ونشأت علاقة خاصة بينهما. وتلك العلاقة العاصفة الطويلة، أنتجت شعراً من نوع خاص، انتشر في أوروبا كافة. وأحاطت الأقاويل برامبو وغدا موضوعاً مفضلاً للكُتاب حول علاقته بفيرلين .
في الرابعة عشرة من عمره بدأ رامبو يتمرد على تزمّت أمّه وطريقتها في الحياة ، إذ رفض أن يحلق شعره ، وكان يقضي أوقاته في المقاهي يروي لأصدقائه قصصاً خليعة ، أو حكايات يهاجم فيها الكنيسة ، وفجعت الأمّ بهذا التغيير الذي طرأ على ابنها ، لكنه ما زال يقضي وقتاً طويلاً في القراءة ، ويفوز بالجوائز الأدبية .. يكتب في أحدى قصائده: وتشردت ثمانية أيام ، وامتلأ حذائي بالثقوب على الطرقات الوعرة. 
في تلك الفترة شغف بقصائد بودلير وبحياته ، وكان يعتقد أن بودلير استسلم الى بيت من بيوت الخطيئة ليجعل من نفسه شاعراً عظيماً ، يكتب كولن ولسون في كتابه " سقوط الحضارة " إن :" رامبو الحقيقي ولد في تلك الأيام التي كان يمثل فيها دور الفتى العابث في شوارع شارلفيل ..كان يواجه عدو اسمه السأم واللاإنجاز ، أما الدافع فقد كان كامناً في فكرة أنه لا بد من وجود طريقة أخرى ليعيش هذه الحياة القصيرة بصورة كاملة " ، لقد وجد رامبو الحل لدى بودلير ، الشاعر الكبير ، الحشاش ، المعذب دائماً ، وقد رأى فيه رامبو برجاً عالياً من الخطايا والتمرد ، وقد بدأ يفكر في الطريقة التي يمكن أن تُعاش بها الحياة بصورة كاملة ، بعيداً عن سلطة أمّه المتزمتة.. فهو يشعر إنه سجين جدران من الورق يستطيع أن يمزّقها ببساطة إذا ما توفرت له الشجاعة الكافية ، واعتقد أن الأمر الوحيد الذي يمنعه من أن يكون عبقرياً ، هو سيطرة أمه وكسله تجاه الأحداث ، وقد كتب في إحدى رسائله :" سينتهي بي الأمر الى قناعة تافهة ، ولن أحقق شيئاً ، لأن الآخرين لايريدون لي أن أحقق شيئاً " . وسيكتب في احدى رسائله الى الشاعر فيرلين قبل ان يلتقي به  :" إن الشاعر هو الذي يستشف بكل حواسه وكيانه ما وراء الأشياء " في تلك الأيام كان رامبو يؤمن مثل بودلير أن الإنسان يستطيع أن يمرّن نفسه على رؤية الرؤى لشرط ان يدمر حواسه تدميراً طويلاً منظّماً هائلاً " تكتب أمه الى أساتذه ايزامبارد :" هل من الممكن أن نفهم هذا الصبي ، وهو الهادئ الرزين ، كيف جاءت الى رأسه هذه الفكرة الجنونية " . .. في السابعة عشرة من عمره سيكتب واحدة من أشهر قصائده " المركب السكران " وهي قصيدة طويلة تحتوي على أربعة وعشرين مقطعاً ، والتي تعد اليوم أجمل ما نشر في الشعر العالمي ، ولم تنشر القصيدة إلا عام 1883، إذ كان عليها أن تنتظر صديقاً اسمه بول فرلين سيفتح الأبواب أمام رامبو ، كان فرلين عندما تعرف على رامبو في السابعة والعشرين من عمره ، وكان قد نشر العديد من القصائد ، وانتخب عضواً في جمعية تتألف من شعراء كانوا يسمون انفسهم شعراء البرناسيين – نسبة الى جبل برناس الذي كان رمز الشعر في اليونان القديمة - .. وكانت لفرلين مكانة كبيرة رغم إنه كان مدمناً ومصاباً بالشذوذ الجنسي ، وكان قد فصل من وظيفته بسبب ميوله الثورية . 
كان آرثر رامبو في التاسعة عشرة من عمره حين أنجز، ونشر، مجموعته الشعرية الرئيسة "فصل في الجحيم "، تلك المجموعة التي جعلت منه، على الفور، ليس شاعراً فرنسياً كبيراً فحسب، بل علامة على جيل لاكمله ، وأيضاً خلاصة لثورة ثقافية وسياية واجتماعية  صبغت القرن التاسع عشر . وقد كانت هذه المجموعة  آخر ما نشره  رامبو، من شعر ، وايضا هو العمل الشعري الوحيد الذي صدر تحت اشراف رامبو ، وقد كتبه عام 1873 عندما كان يتنقل بين لندن وبروكسل، وقد تكفلت والدته بدفع مبلغ 500 نسخة من الكتاب ، فيما احتجز صاحب المطبعة النسخة الاخرى لان رامبو عجز عن دفع المتبقي من الحساب .
اعلن رامبو ان :" على الانسان الذي يود ان يكون شاعرا ان يبدأ اولاً بدراسة نفسه دراسة كلملة ، وعندما يصل الى معرفتها يجب ان يتعهدها بالعناية والتهذيب ، ولكنني الرى ان على الشاعر ان يكون بصيرا باضطراب واسع مقصود ومنظم في جميع حواسه واختبار جميع اشكال الحب والالم والجنون ، فهو يفتش عن نفسه ويحقنها بجميع انواع السموم ولا يحتفظ منها سوى بجوهرها  " 
يجد معظم الذين كتبوا سيرة رامبو ان " فصل في الجحيم " هو اشبه بسيرة ذاتية لرامبو. وقد كتب رامبز هذا الديوان على اثر مشاهدة كبيرة مع فيرلين ، ادت الى ان يطلق فيرلين  النار على على رامو فجرحه في يده ، فيقرر العودة الى البيت ليختلي مع نفسه ، ويكتب فصل في الجحيم يسرد فيه ذكرياته العاصفة في لندن وبروكسل ، وقد اعتبر النقاد ان رامبو من خلال كتابه الشعري هذا قد  أسس للحداثة الشعرية في اوربا . 
يتحدّث كتاب  " رامبو وزمن القتلة  لهنري ميللر عن رامبو، وعن تجربة هنري ميللر في قراءة هذا الشاعر، إذ يحاول ميللر أن يمازج ما بين حياته الشخصية وسيرة هذا الشاعر الذي كان يسميه  " اللعين رامبو " ، فهنري ميللر يتذكر تشرّده في شوارع نيويورك، ومعاناته في البحث عن عمل، وحالة العدم التي وصل إليها، وتحوّله إلى شخصية مرفوضة من قبل  الجميع ، في هذه  الحياة التي تشبه حياة رامبو غارقة في الخطايا والمشاكل والمعاناة والألم ، يبحث هنري ميللر عن خلاصه ، وعن حياته التي لايؤيد لها ان تنتهي  في قبو بارد موحش ، مثلما انتهت حياة رامبو على احد اسرة مستشفى مرسيليا ينتظر لحظة الخلاص . 
يكتب هنري ميللر :" رامبو اعاد الادب الى الحياة ،انا اردت اعادة الحياة الى الادب ، ولدينا نحن الاثنين تقوى الخاصية الاعترافية ، والانشغالات الاخلاقية الروحية ، ان رامبو لا يعود الى أي مكان ، وكان هذا الإحساس ذاته إزاء نفسي " .
ولد بول فيرلين  في الثلاثين من اذار عام  1844 ، بعد ولادة بودلير باكثر من عشرين عاما ، وقبل ولادة رامبو بعشرة اعوام  ، اصرت امه ان تطلق عليه اسم اسم " بول- ماري " تقديراً للسيدة مريم العذراء فقد تعرضت من قبل الى ثلاث حالات اجهاض ولم يعش لها طفل ، فكان ان نذرت للكنيسة ان مولودها سيكون خادما للعذراء ، كان والده مثل والد رامبو نقيبا في الجيش ينتمي الى احد العوائل الغنية ، في السابعة من عمره سترحل عائلته الى باريس حيث ادخل الى مدرسة خاصة ، وقد تمكن وهو صغير من الكتابة باللاتينية ، ونجح في دروس البلاغو والادب ، ومثل رامبو منح جائزة ادبية قبل ان يتجاوز الخامسة عشر من عمره .. استمر في دراسته حتى تمكن ان يحصل على وظيفة محاسب في بلدية باريس . إلا ان الحياة الحقيقية لفيرلين تبدأ عام 1866 ، ففي الثانية والعشرين من عمره اصدر اولى دواوينه العرية بعنوان " قصائد حزينة " ، ولعد ثلاث سنوات يصدر ديوانه الثاني بعنوان " اعياد نرحة " وقد حققت له قصائده شهرة واسعة بين الاوساط الادبية ، ألا ان هذه الشهرة جاءت مع المشاكل التي تعرضت لها حياته ، فقب لعام من صدور ديوانه الاول توفي والده ليعيش حياة مضطربةن لعبت امه دورا كبيرا فيها ، فقد حاولت ان تعوضه غياب الاب بان تمنخخ الكثير من المال ن فانطلق يعيش في شوارع باريس حياة بويهيمية .. عام 1869 يتزوج فتاة تدعى ماتيلدا شقيقة احد اصدقاءه وكانت صغيرة في السن ، بعد عام سيشارك في الحرب البروسية التي سيخسرها نابليون الثالث ، فتندلع كومونة باريس ، يجد فيرلين نفسه بلا عمل ، والاموال التي تركها والده تبخرت بسبب اسراف والدته ، فاضطر ان يغادر باريس الى معامه وزوجته للعيش مع عائلة زوجته في مدينة شارفيل ، حيث تبدأ اخطر مرحلة في حياته ، ففي تلك المدينة سيتلقى رسالة من شاعر شاب ابدى فيه اعجابه بالشاعر الكبير وكان هذا الشاب هو آرثر رامبو يكتب فيرلين في يومياته :" كان لي شرف التعرف على السيد آرثر رامبو . كان شابا ذا وجه بيضوي تماما مثل ملاك ، وشعر كستنائي فاتح أشعث وعينين من الزرقة الشاحبة القلقة " ، وعندما التقى رامبو بفيرلين في ايلول عام 1871 ، وجد لأول مرّة في حياته روحاً شقيقة لروحه ، لقد وجد شاعراً حقيقياً .. وكان ذلك بالنسبة لرامبو يعني إنه وضع قدمه في أول طريق التمرد .. وإن عليه أن يدخل معركته الجديدة مع الحياة .. إلا أن علاقتهم امتازت بنوع من أنواع السادية فبرغم الحب الذي ربط بينهما إلا أن فرلين كان يشعر أن رامبو شيطان دخل حياته .. وقد عاش فرلين حياة صاخبة مضطربة  تخللتها علاقة  حب متضاربة لزوجته من جهة ولصديقه الشاب رامبو من جهة آخرى  ، مما اضطر ماتيلدا ان تطلب الطلاق منه ، فيعلق فكتور هيجو على الخبر فيكتور هوجو ،  "القصة الرهيبة لبول فيرلين. تعلق بامرأة شابة فقيرة! وهام بطفل صغير فقير! وكان عليه ان يشقى " ،  وبسبب ادمانه وحياته الجنسية المضطربة يودع السجن اكثر من مرة ، وكان رامبو قد سئم من حاولات فيرلين بمطاردته في كل مكان ، ويذهب متاب سيرة رامبو الى انه كتب افضل أعماله حين كان يعيش بعيدا عن فيرلين 
حقق بول فيرلين خلال سنوات حياته شهرة ومجدا كبيرا ، الا ان حياته انتهت بالمرض حيث تحول في آخر سنوات عمره الى هيكل عظمي بسبب ادمان الخمر ، يتوفى بعد رحيل رامبو بخمسة أعوام في إحدى المستشفيات بعد أن حقق لنفسه ولصديقه شهرة واسعة في جميع أنحاء أوروبا .
كانت قصائد رامبو أشبه بصدمة في عالم الشعر ، ذلك أنها كشفت ان رامبو لم يكن يوما على وفاق مع مجتمعه، وأنه يشعر بالمرارة، وكان عليه ان يتمرد على كل شيء في ذلك المجتمع، وايضا على المنظومة الثقافية باكملها ، من خلال قصائد جميلة، لكنها قاسية وحادة وموحشة ، وهي نفسها القصائد التي اشعلت في داخله روح التمرد لتدفعه الى ان يترك الشعر ويهيم بين البلدان ، حيث انطلق إلى إفريقيا.. وبعدها الى اليمن ، اشتغل بتجارة الجلود ثم بتجارة البُن،  ، وكانت أخته اليزابيث  تبعث له بين الحين والآخررسائل  مطولة وبعض الكتب الأدبية، ، وفوجئ رامبو بأن صديقه  فيرلين  نشر له مجموعة من قصائده، لقد كانت روح التمرد تدفعه الى ان ينهي حياته مبكرا ، مثلما انهى مسيرته الشعرية بعمر مبكر جدا .

                            آرثر رامبو




Share To: