حدث ذات مرة أن ذهبت إلى مكان ما كي أرى أحد الأشخاص، لقد تذكرت فجأة وأنا أرتدي ثيابي أن هذا الشخص يعاني من مشاكل في الجيوب الأنفية، وقفت وأنا أقابل المرآة تماما بوجهي ذو التعبيرات غير المكترثة، والكحل الخفيف في عينيّ الذي لا يميزه سوى أولئك الذين رأوا وجهي مئات المرات، وقفت وأنا أفكر إن كانت احدى هذه العطور ذات الرائحة النفاذة ستهيج منخريه، لقد حسمت الأمر بعد ذلك ولم أستخدم أي عطر على غير عادتي .
كنت هناك طول اللقاء أتساءل إن كنت فعلت ذلك لأن بي ميلا تجاهه، هل أميل إليه لهذا أحاول أن أهتم بشؤونه الخاصة؟ لقد أنتهى الأمر بي ليلتها أن عدت إلى صوابي مدركة أن تصرفي بهذا الشكل ناتج فقط عن حناني المبالغ به، ذاك الحنان المرضي الذي يشمل كل الأشخاص، من عامل البناء في الشارع الذي لا أعرفه، إلى الطفل الباكي أمام باب المنزل، إلى أولئك الفقراء على شاشة التلفزيون، إلى كل أولئك الجرحى، إلى كل أولئك المحاربين ...إلى كل البشرية، إلى العالم بأسره .
الحنان كسلوك يصنفه نيتشه وفرويد كآلية دفاع يستخدمها الضعفاء ليتقوا شر أولئك الذين هم أقوى منهم، هذا ما يجعل الآباء حين يشيبون يقدمون لأبنائهم الذكور حرية كاملة لأنهم فقط يخشون بطشهم، وفي المقابل هذا ما تفعله النساء مع الرجال، لكن الأمر معي يبدو مختلفا، إنه أمر لا أفهمه لأنني شخص حنون وقاسٍ أيضا، أجيد اللعب على الوترين متى ما اقتضت الحاجة .
يومها كان أخي قد عاد متأخراً إلى المنزل، ولأننا نحشر أنفسنا هذه الأيام في غرفة واحدة لأجل أعمال الصيانة فإن أخي قد نام على قدميّ لأنه لم يجد ما يسند به رأسه، لقد استيقظت صباحاً وأنا أشعر بثقل ما في ساقيّ، حين نظرت وجدته مسجيا على قدميّ، شعره الأشقر المكسوّ بسواد شعور الشركس، نهايات خصلات شعره ذهبية، بداياتها سوداء، وجهه أبيض تكسوه حمرة خفيفة، لقد فكرت :
" لطالما كنت مولعةً به ولكنني الآن لا أتحدث إليه إلا نادراً جدا، تمر أيام بل أسابيع لا نتبادل فيها أكثر من عشر كلمات متفرقة " .
لقد بقيت متجمدة كتمثال في مكاني خشية أن أسحب قدمي فأوقظه، حين استيقظ بعدها بساعة تقريبا غزاه ضحك صاخب، ضحك كنت قد نسيت أنه يجيده أصلا .
هذا أيضا حنان مبالغ به وليس حباً، لهذا أنا أخاف غالبا أن أُسيء إليّ لأنني أتصرف بشكل حنون حين أجد أن الآخرين يحتاجون ذلك أو يتوقون إليه، مرة واحدة فقط حدث أن كنت حنونة بهذا الشكل لأنني أرغب بذلك من تلقاء نفسي بمعزل عما يريده الآخرون أو يحتاجونه، كانت تلك هي المرة الوحيدة التي كنت أحب فيها بشكل صادق بمعزل أيضا عن حناني الأمومي الزائف، الحنان الذي أبغضه لأنه يشوّش الحقائق ويجعلني أخطيءُ في تقدير المواقف .
Post A Comment: