==================
عن العامِ الدِّراسيِّ الجديدِ وسعادةِ الفريقِ.. 
في بدايةِ العامِ الدراسيِّ وفي برنامجِ التَّعارفِ بينَ الزُّملاءِ، كُلِّف كُلٌّ منّا بأنْ يُحضرَ ثلاثةَ أشياءَ يحبُّها، ثُمُّ نجلسُ اثنين اثنين ونتعارفُ: أحضرْتُ كتابًا وكوبًا من الشّاي، وصحنًا من الزَّيتِ والزَّعترِ، أما زميلتي فأحضرتْ تفاحةً وشريطًا لفيروزَ وشمعةً.
قلتُ: القراءةُ زادي وأنسُ أيامي، وأظنُّ أنَّ الزَّيتَ والزَّعترَ منْ طعامِ أهلِ الجنَّةِ، وإنَّ يومًا ليسَ فيه كوبٌ من الشّاي بنكهةِ النِّعناعِ أو المرميّةِ ينقصُه من البهجةِ الكثيرُ، ولوْ كُلفتُ بأنْ أُحضرَ شيئًا رابعًا لأحضرتُ وردةً.
قالتْ زميلتي: أبدأُ يومي بفيروزَ وتفاحةٍ، أمّا الشُّموعُ فتملأُ منْ بيتي كلَّ ركنٍ، وأنهيْنا الجلسةَ حينَ أكلْنا الزَّيتَ والزَّعترَ، واحتسيْنا كوبين من الشّاي بالنعناعِ، وبشمعةٍ أهدتْني إياها.
   وقبلَ أيامٍ أعدْدنا إفطارًا جماعيًّا في مدرستي التي يُشكِّلُ الأستراليون غالبيَّةً عظمى منْ فريقِ العملِ فيها بمناسبةِ عيدِ الأضحى المُباركِ إيمانًا منّا بأنَّ الطَّعامَ والشَّرابَ يشكِّلان معنى مهمًّا لهويَّةِ الشُّعوبِ وثقافتِها، وبالطَّبعِ كانَ الفولُ والحِمصُ والفلافلُ والشّايُ الأسود بالمريميَّةِ هو قوامُ الإفطارِ، إضافةً إلى حلوى العيدِ منْ كعكِ التَّمرِ والمعمولِ والكُنافة التي كانت تُزيِّنُ ركنًا تَتلألأ ُفيه أضواءُ العيد...
تحدثْتُ بالأصالةِ عنْ نفسي وبالنيابةِ عنْ زملائي، قلتُ ما يعنيه عيدُ الأضحى للمسلمين وعلاقةَ ذلك بالحجيجِ في سعيِهم وطوافِهم وصعودِهم على جبلِ عرفاتَ وذبحِ الهديِ منْ بهيمةِ الأنعامِ، وأنَّ معنى الأضحى ليسَ بعيدًا من معنى التَّضحيةِ؛ فكلاهما منْ تجلِّياتِ العطاءِ التي تتصدَّرُ القيمَ الإنسانيَّةَ حينَ يكونُ الحجُّ مهرجانًا عالميًّا للتعارفِ وقبولِ الآخرِ؛ أليستْ القِبلةُ متَّجهًا ومِحجًّا للملايين منْ مسلمي الأرضِ يلبّون ويحمدون ويشهدون بالوحدانيَّةِ لملكِ الملوكِ الذي له الملكُ والأمرُ...  الزُّملاءُ الأجانبُ المأخوذون بسحرِ الشَّرقِ - وبعضُهم يرى العالمَ العربيَّ لأولِّ مرَّةٍ - تحلَّقوا حولَ المائدةِ كما لوْ كانتْ مائدةً ملوكيًّة، على أنَّ الشّايَ المغربيَّ بالنِّعناع، والخبزَ المغربيَّ بالعسلِ (البغرير) أضفى على المكانِ سحرًا خاصًّا أعادَ إلى الأذهانِ أجواءَ روايةِ (الخيميائي) لباولو كويللو.
   التَّعارفُ بينَ الزُّملاءِ يشكِّلُ نواةً وبدايةً طيِّبةً للعملِ؛ ذاكَ أنَّه يخلُقُ جوًّا من الألفةِ والودادِ بينَ الفريقِ الذي بدورِه سيكونُ مسؤولًا عنْ تعارفِ التَّلاميذِ والتَّأليفِ بينَهم، لا سيِّما حينَ تتعدَّدُ الجنسياتُ، وتتباينُ الثَّقافاتُ؛ فالفريقُ المُتوائمُ المتحابُّ يخلقُ جيلًا مُنسجمًا بالضَّرورةِ بما تمدُّه به طاقةُ الحبِّ من امتدادٍ وإقبالٍ على الآخرِ في وقتٍ يخلقُ فيه الفريقُ المُتناحرُ المُتدابرُ المُتباغِضُ جيلًا مُتنافرًا يبحثُ عنْ أسبابِ الخلافِ والبغضاءِ.   
   ما زلتُ أدعو إلى التَّعليمِ بالحبِّ؛ ليكونَ خيمةً تعصمُنا غبارَ المناهجِ المُتضاربةِ في التَّربيةِ والتَّعليمِ لنربيَ جيلًا قادرًا على مواجهةِ زمنٍ تسودُه وتقودُه آلةٌ باردةٌ تعددتْ فيها وسائلُ التَّواصلِ وقلَّ فيها الاتِّصالُ، وإذْاكَ فلنْ أرميَ الوردةَ، ولنْ أطفئَ الشَّمعةَ كما فعلَ (عبد الحليم) في ذاتِ أغنيةٍ، لكنْ سأظلُّ (واقف مستني) فما زالَ الكثيرُ يستحقُّ الحياةَ.



Share To: