الكاتب يعي خطورة ما يكتب، وفي نفس الوقت لن يستطيع الخوف التأثير عليه قيد شعرة، ويجعله يفكر بالتراجع أو التنازل عما يكتب، القلم يعطي للكاتب الحر قوة معنوية يجعله يشاهد الخطر يراوح أمامه، ويدفعه للكتابة بقوة اكبر وكأنه بفعله هذا سيحصل على جائزة، 
لا استطيع وصف مشاعري أثناء الكتابة حول المواضيع الحساسة اكثر من هذا الوصف، وكأنه غير مسموح لي بمشاركة مشاعري لغير أصحاب هذا الفن, للحفاظ على قدسية القلم وأهمية الكاتب وخطورة كتاباته، 
كتب حر وهو كاتب حر ناقدا للمجتمع، وطبيعة المجتمع المتعصب لم يسمح بوجود الكاتب حر بينه والاستمرار في نقده، لذا طالب المجتمع بمقاضاة حر وإعدامه كي يكون عبرة لغيره من الأحرار، وبالفعل استجابة السلطة لطلب المجتمع بدافع التملق والخوف من بطشه والحفاظ على مصالح ساسته، 
في قاعة المحكمة يقف الكاتب حر مقيدا بلا قلم، أمام القاضي وعلى مسمع ومرى المجتمع، قبل الحكم بالإعدام طلب القاضي من حر أن يقول كلمته الأخيرة
قال حر: إنني ما فعلت إلا ما بجب فعله، ولا أبالي بالموت ولا نقمة المجتمع ولا انتظر نطق الحكم على لسانك، واعلم أن كنت انتظر منك شيئا، فانا انتظر اكبر جائزة دليل على صحة رأيي وعمق تشخيصي، الذي ثأره ثائرة المجتمع ضدي وجعلك مغلولا بغضبه وينتظر منك النطق بمظلوميتي.
قال القاضي: أنا القاضي عقل اعتذر من المجتمع الفاضل النطق بحكم الإعدام بحق المتهم حر، وارجوا قبول اعتذاري.
وفي الجلسة الثانية كان المجتمع حريص على عدم إعطاء حر فرصة الكلمة الأخيرة، ولكن القاضي رفض، لأنها مخالفة للقانون، ولها تبعات دبلوماسية خطيرة، وحين طلب القاضي من الكاتب حر أن يقول كلمته الأخيرة 
قال حر: أنا لم اطلب شيئا لنفسي، وما سعيت إلا لإخراج مجتمعي من وحل أفكاره، كنت اطلب أن يكون مثلي حرا لا كذابا ولا مأجورا، وان يكون المجتمع إنسانيا فاضلا، وان تكون أنت ناصرا للمظلوم لا الظالم نفسه.
قال القاضي: أنا القاضي قلب اعتذر من المجتمع النطق بحكم الإعدام بحق المتهم حر، وارجوا أن يتفهم حرجي.
وفي الجلسة الثالثة والأخيرة حضر اقوى القضاة صرامة في الحكم وخبرة في المهنة، فائق العقل قوية القلب, رفض أن يقول حر كلمته الأخيرة، وقال أنا القاضي ضمير أعلن براءة حر وجرم المجتمع.
وفي هذه الأثناء فاقت امل ابنة الكاتب حر من غفوتها على قبر أبيها، وعرفت أنها كانت ترى حلما، مما دفعها للبكاء مجددا على فراق أبيها، اقتربت منها السيدة طموح أم الطفلة امل وزوجة الكاتب حر، أخرجت منديلها من جيبها تمسح دموع امل التي تجلس أمامها ويتوسط بينهما قبر زوجها،
الام طموح: كفي بكاءآ يبنتي، دموعك لم تجف منذ أربعين يوما على وفاة والدك، هو الأن ليس موجود، ولن يرجع ببكائك، عليك التوقف عن البكاء لعلك تحصلين على أب حر أخر، لماذا تنظرين إلي هكذا؟، قولي شيئا يبنتي، لماذا تجلسين كالصخرة أمامي هكذا دون حراك, 
وبعد ملل الأم طموح من مناداة ابنتها التي لا تستجيب، قامت بتحريكها بيدها سقطت ميتة بجوار قبر أبيها حر.


إهداء: إلى الأحرار...الذين دفعوا ثمن أقلامهم بدمائهم الزكية...إلى الانسان الذي رفض حياة العبيد...وأختار الحياة بالموت بدل الموت بالحياة...وإلى الشهيد هشام الهاشمي خاصة...




Share To: