حينما أعلنت جائزة نوبل، حصول الكاتب الفرنسي ( باتريك موديانو) فوزه بالجائزة ذكرت لجنة الجائزة (إنه كاتب يكتب عن الهوية الفرنسية ) إذاً الموضوع يتلخص في فكرة الهوية ، وهى قضية أدبية قديمة وحديثة أيضاً ،ومازال الجدل دائرا حولها ، كيف يكون لدينا أدبا لا يكون غريبا عن الهوية المصرية العربية...
على سبيل المثال إذا قرأ القارئ الأجنبي رواية أو قصة عربية ترجمت إلى لغته ،بماذا يحس ؟
هل بها الجديد الذى يعبر عنا ولا يشعر من خلاله بالتقليد ، أو قد تثبت تهمة النقل وعدم الإتيان بالجديد ،هناك مثال من الأدب الحديث حينما جاوب توفيق الحكيم في كتاب قالبنا المسرحي، الذى حاول من خلاله الحديث عن مسرح عربي خاص، يستند في ذلك على فكرة الراوي الذى كان موجوداً قبل دخول الراديو ، مع ذلك في قصص ألف ليلة وليلة التي هى ذات الإطار و الطابع الشرقي ، نقلها الغرب عنا وليتطور ويصبح فن الرواية .
اختار الكاتب(على حسن) في مجموعته القصصية الخريف يلملم أوراقه طريقة سرد ،
ما بين حكايات الجدة و ألف ليلة وليلة و الفانتازيا ، فهى الخيال الجامح و أحلام اليقظة لشعوب العالم الثالث و الطبقة المتوسطة، كحدوتة خارجة من الواقعية .
إلى جانب أن القصص تتنوع ما بين مشاكل معاصرة ،ما بين محاولة الخروج من بعض العادات والتقاليد الموروثة .
بشكل عام نستطيع أن نستخرج العديد من المفردات اللغوية؛ لنجد كل تلك الدلالات و الإشارات، من خلال استخدام عددا من الدلالات اللفظية و التضاد الذي يبرز المعنى، نقرأ في قصة (غلام الشيخ حرفوش)
كلمة الجوع، التي تعبر عن حالة عامة، في مقابلها محل لبيع الدجاج المشوي، و عبارة (يلتهما بنهم) .
أو في قصة (كيتي) عن علاقة الإنسان بالحيوان ؛لنقرأ دلالة تأملية ،مثل (تتأملني كحبيب )
في موضع آخر ( لم أعرها اهتماما )
لنفهم من تلك الجمل الدلالية، كيف يقابل الإنسان هذا الوفاء بالجحود أحيانا ؟!
بينما الشخصيات داخل المجموعة، تعيش بشكل عام في آسر الماضي، الذي يؤثر على توجهاتهم في الحاضر و المستقبل
و أن كانت الشخصية الرئيسية التي عبرت عن الرجال ،و كأنه هو الممثل الرئيسي عن الذكور داخل المجموعة، هو (محمد سمير) ضمن أحداث قصة (أبو زينب) ،هذا الرجل الذي عاش قهر الأب؛ حتى تحول إلى شخصية تختزن شعورا بالقهر و القسوة ، يخرج في صورة أحلام و نوبات من الصراع أثناء النوم .
بينما الشخصية النسائية الرئيسة، بطلة قصة (الخريف يلملم أوراقه)
كيف مزج الكاتب بين فكرة الخريف كموسم تساقط أوراق الشجر ، بين فكرة خريف أنوثة المرأة ، تغير الأزمنة و تبدل الأحوال.
يتجلى وصف المكان داخل المجموعة في قصة( الخريف يلملم أوراقه)، حيث يبدأ الكاتب بوصف المنزل كمعادل لفكرة المجتمع ككل، ثم الدخول في التفاصيل البسيطة، لينتقل لوصف الغرف و محيطها المكاني، ثم ربطها مع الشارع نفسه كخلفية مؤثرة في سير الأحداث.
عبر (نجيب محفوظ) كنموذج أمثل و بكل اقتدار، عن الحارة في معظم أعماله ،على رأس تلك الأعمال ( الحرافيش)
اختفى عصر الفتوات مؤقتاً بالشكل القديم؛ لكنهم لم ينتهوا تماماً ،بل عادوا ؛ لكن على شكل انفتاحي ، كأنهم الفاتحين الجدد في عصر من الرأسمالية الجديدة ، و تكوين الثروات بشكل أسرع .
بناء على ذلك أعاد الكاتب قراءة مشهد الحارة الجديدة، بعد كل تلك التطورات التي طرأت عليها ، جسدت تفاصيل واقعية عميقة لم تأخذ القشرة بل غاصت في التفاصيل حتى نطلق عليها واقعية .
قصة (كيتي )علاقة بالمكان داخل منزل ،و كيف يؤثر المكان على الإنسان و الحيوان معا !
تلك العلاقة ما بين الإنسان و الحيوان ،كيف يتحول وفاء الحيوان إلى صداقة؟ بينما الإنسان نفسه قد يخون!
فالفطرة لدى الحيوان غير العاقل، في مقابل الإنسان العاقل قد تنتصر .
امتازت الشخصيات بشكل عام بنوع من الصراع بين الثنائيات ،الخير و الشر ،الحب مقابل الكره
قصة (ابو زينب) اعتقد أنها تحتمل أن تكون رواية أيضا ،بها العديد من التفاصيل التي يمكن أن تكون بداية لفصول روائية ،طريقة الفلاش باك كيف يكون الاب كفكرة أول دروس الإنسان في الحياة ؟و على هذا الأساس ينشأ المرء .
قصة الخريف (يلملم أوراقه قصة) محلية بصغبة عالمية، التلصص و اقتراب المسافات داخل المنزل الواحد، التقسيم الطبقي داخل الطبقة الواحدة، حصار الزمن،انحصار كل الأشياء من الجمال و المتعة .
الشخصيات على الرغم من كثرتها إلا أن توظيفها جاء بشكل جيد جدا
شخصيات الفكهاني و العربجي مع باقية المهن ،ثم الدخول في عمق تفاصيل الشخصيات .
قصة (خالتي حميدة) شعرت فيها بفكرة إعادة تأويل أو تناص مع عقدة أوديب ،لكن بشكل آخر فكرة أمومة الأنثى، التي هى تاج المرأة و مدخل إلى شخصيتها.
قصة (اعتقال) فكرة إدمان السلطة ،و الشعور الدائم بأن البطل فوق القانون، حتى مات من الحسرة على ما آل إليه حاله من عدم التصديق فقدان السلطة ،كيف يمكن أن يكون الشخص صديقا للسلطة و ليس في مواجهتها ؟!
الأنثى بشكل عام داخل المجموعة ، و أن جاء العنوان في إحدى القصص(أنثى)؛ إلا أن الدخول في تفاصيل الأنثى كأم و زوجة و صديقة و حبيبة ،ثنائية المرأة و الرجل حاضرة بقوة داخل أحداث القصص، فلا غنى عن الآخر، بل أن الاثنين يكملان بعضهما البعض.
Post A Comment: