تنتابني بعض الهواجس مع اقتراب العودة المدرسية في ظلّ التّفشي المطّرد  للوباء و ما تنتهجه وزارة التربية من سياسة "النّعامة" التي تدسّ رأسها في التّراب عندما تبصر خطرا محدقا ظنّا منها أنّ ذلك سيردّه عنها .. فوزارتنا الموقّرة تدسّ رأسها في "البروتوكول" الوقائي بما هو مجموعة من السلوكات الوقائية الفردية و تعوّل في ذلك على الوعي الذاتي لأطفالنا و تكتفي به قبل أن ترسل بهم آلافا مؤلّفة إلى مدارس و معاهد لا تتوفّر لديها أبسط وسائل الرّقابة و هي تفتقد  للقدرة على التحكّم في شؤون التلاميذ حتّى في الظروف العاديّة فما بالك في الظروف الاستثنائيّة .. و لا يعود ذلك أبدا إلى تقصير من الإطار التربوي بل إلى ضعف الإمكانيات و قلّة عدد الوظّفين و العملة ..
نحن نعلم جميعا أنّ العودة المدرسيّة في ظلّ بروتوكول وقائي لن يلتزم به أطفال صغار بلا مراقبة هو مغامرة مجنونة  .. فلن يستطيع  الأولياء المشغولون بعملهم مراقبة أبنائهم في طريقهم إلى المدرسة و هم يسيرون زرافات متلاصقة متعانقة ..و لن تستطيع القلّة القليلة من القيّمين مراقبة المئات المتدافعة في السّاحات .. فماذا سيفعل أربعة أو خمسة قيّمين أمام ألف تلميذ أو يزيد في مدرسة واحدة ؟؟ ..و كيف لأستاذ واحد يجالس ثلاثين تلميذا و أكثر في قاعة واحدة أن ينجز برنامجا في كنف " البروتوكول " الموقّر و هو مطمئن البال .. لسنا مغفلين لنصدّق أنّ الأمور ستسير هكذا في كنف السلام !!   
فمن المنتظر إذن أن الأمور ستتعثر و أن الكثير من المدارس ستغلق بمجرد الاشتباه في وجود حالات مرضية بل و من المتوقع أن يجد الوباء مناخا ملائما للتفشي في مدارسنا  .. و لا حاجة بنا لتزييف الحقائق و لن تنقذنا سياسة النعامة و دس الرؤوس في البروتوكول المزعوم .. 
لماذا لم تتحرّك وزارة التربية خلال العطلة للبحث عن حلول عمليّة ؟؟ لماذا لم تنظّم لجانا لضبط خطّة طوارئ ؟؟ لماذا نفكّر دائما بمنطق التبعيّة ؟؟ .. بمعنى أنّنا سننتظر ماذا تفعل فرنسا لنسير على هدي خطاها..مع أننا لا نمتلك نفس الإمكانيات المادية و البشرية .. إنّ الاتباع هنا سيكون عملا أخرقَ أحمقَ ...
نحن لا نستغرب أبدا سياسة قصر النظر أو سياسة " اللاسياسة" التي تنتهجها وزارة التربية .. فهي لا تستبق الأحداث بحسن التدبير و الترتيب و التحكم بل تتبعها بالانصياع و محاولة التخفيف من الأضرار بعد أن يسبق السّيف العذل  .. شأنها في ذلك شأن السياسة العامة للدولة التونسيّة و قوامها الانفلات و عدم القدرة على التحكم في ظل انصراف الحكّام إلى مهاترات لا تغني و لا تسمن من جوع.. و بإيغال الأحزاب في تجاذبات إيديولوجية لعينة على حساب مصالح الناس الآنيّة و قضاء حوائجهم ..
ألا فكفّوا عن فلسفة " اليوم خمر و غد أمر " .. و فكرة " كل يوم و يومو " التي يعتمدها المعوزون في تصريف حياة عوائلهم .. فإمّا أن تكونوا في مستوى هذا الشعب و إلّا فارحلوا قبل أن تجرفكم الحوادث إلى مستنقعات التاريخ  ..

و هنا أقترح على وزارة التربية أن تسارع إلى ضبط برنامج طوارئ يعتمد خطّة " أنصاف في أربع ":

1/ نصف عدد التلاميذ في الحصة الواحدة ( لا تتجاوز المجموعة  15 تلميذا )
   
2/ نصف ساعات  الدراسة بالنسبة للتلاميذ ( أما بالنسبة إلى الأساتذة فسيدرّسون عدد ساعاتهم العادية  لأن عدد المجموعات سيتضاعف ) 

3/ نصف البرنامج ( حذف بعض المحاور و الاكتفاء بالأهم في تكوين التلميذ .. و ذلك باستشارة سريعة للمتفقدين و الأساتذة )

4/ نصف عدد الاختبارات  

مثل هذه الخطة تكفل سلامة تلاميذنا و تهيّئ المناخ لمراقبتهم ضمانا لسلامتهم ..فالطائر المقيّد لا يمكن أن يحلّق  يا وزارة التربية .. و المشكل ليس في البروتوكول الوقائي بل في توفير أسباب نجاحه حتى لا نتعثر سريعا فنعود إلى غلق مدارسنا بعد فتحها ..



Share To: