وقع والدها على الورقة، ثم وقع شقيقها الكبير أيضاً على الورقة ، أعاد الضابط الورقة الى الملف ، ثم نظر اليها ، وقال لها بلغة عربية ركيكة ، اذهبي معهما وإذا حصل أي شيء اتصلي على هذا الرقم وناولها ورقة صغيرة ، وضعتها في جيبها بسرعة ، كأنها وجدت نفسها في موقف يسيل من أطرافه الكذب والخداع ، وحتى تغطي أرضية الوجوه التي تحول سمارها الى إصفرار شاحب وبارد عليها أن تدفن الورقة، لأن النار الخامدة في رقم هاتف الضابط ستشتعل عندما تدق وتتحرك وتتحول الى صراخ .
جلست في السيارة بعيداً عنهما ، شعرت أن المسافة اتسعت ، لم تعد تقاس بأربعة مقاعد ، بقدر ما تقاس بسنوات ملطخة بالصمت ، لم تعد تتحمل ثقل الصمت ، ولم تعد تتحمل العذاب اليومي من زوج يصمم على اهانتها وضربها وسحقها كأنها نملة .
القفص في صدرها يتكسر بعد ان لمس العصفور السجين داخله هواء الحرية، امها صنعت القفص وعندما كبرت وضعت احدى الدجاجات العرجاء فيه ، وأخذت تلقن الدجاجة يومياً درس الطاعة والتقاط الحبوب من كف الأب والأشقاء .
عندما ضربها زوجها بعد خلاف مادي مع والدها - اقترض والدها مالاً من زوجها- شعرت ان القفص يكبر، وعندما طلب منها زوجها ان تكف عن زيارة عائلتها أحست أن قضبانه سكاكين تمزق لهفتها ، لكن عندما قال لها والدها : اطيعي زوجك – احنا بعناك وهو اشتراك – أيقنت انها وحيدة .
- ابوك نصاب ... حرامي .. أكلني .. سرق مصرياتي ...!!!
لم تجب ، لم تدافع وبقيت تنظف البلاط ...!!
- سمعتى ولا طرشة ...؟؟!!
لم تجب ، أمسك بيدها .. أرادت ان تخلص يدها من قبضته لم تستطع ، دفعته الى الوراء فانزلق على الأرض ، ابتلت ملابسه .. شعر ان ثيابه المبلولة دليل هزيمته وضعفه ، قام عن الأرض وأخذ يضربها حتى نزفت الدماء من وجهها وجسمها .
هرع الجيران ، في المستشفى أصر الطبيب على استدعاء الشرطة ، وأصرت الشرطة على وضع الفتاة في بيت للمضروبات ، ووضع الزوج في السجن .
خلال تواجدها في بيت المضروبات كانت تصلها تهديدات خفية من طرف والدها الذي جن جنونه لأنها اشتكت على زوجها ، حاولت ان توضح لوالدها ان زوجها قد أهانه وشتمه ، وان المستشفى قام باستدعاء الشرطة ، لكن والدها رفض سماعها ، لأن الزوج يبقى الخيمة التي تحميها وتغطي عورتها وجرجرته لمخفر الشرطة إهانة سجلتها ابنته في سجل الهستيريا والشذوذ .
ما زالت المقاعد الأربعة تفصل بينها وبينهم ، شقيقها ينظر اليها عبر المرآة ، والدها يلخص الغضب باشعال سيجارة من السيجارة التي قام برميها من نافذة السيارة .
استسلمت للطريق ، تخيلت والدتها وهي تستقبلها ، ستلومها وقد تشتمها ، لكن سترى في ملامحها بريقاً يحضن ألمها ويربت على كتفها ويتسلل الى خوفها الراقد في أعماق حيرتها ، والذي طحن البقية الباقية من ثقتها بنفسها .
يولد من الطريق طريق ، هناك تشابك بين أغصان الأشجار ،السيارة تخترق الظلال التي مالت الى العتمة ، وقفت السيارة نزل والدها ، فتح الباب ، جرها ، صرخت ، صرختها همدت حين شعرت بالنافورة الحارة التي تدفقت من عنقها .
سلم شقيقها نفسه للشرطة ، بعد مرور عدة أيام اجتمع والدها مع زوجها ، تكلموا عن المبلغ الذي اقترضه ، ومن أجل المصاهرة تنازل الزوج عن نصف المبلغ .
دعاه الأب لزيارة البيت ، فهو صهرهم رغم الذي جرى ، وأصر الأب ان ينزعوا صور الأبنة عن الجدران .
جاء الصهر الى البيت ، شعر انه في بيته مرة اخرى ، لم تعرف حماته كيف تمت التسوية المالية بينه وبين زوجها ، تعرف ان ابنتها تناديها وهي تحاول وضع اصابعها على الشلال المتفجر من عنقها ، تحاول ان تخرج رقم ضابط الشرطة من جيبها ، المحاولات همدت حين سبحت بالدم وسقطت نجمة من السماء فوق جسدها المرتعش من برودة انسحاب الحياة .
الأم بقيت بعيدة عن صهرها لا تستطيع النظر في عينيه ، لأنها ترى ابنتها تتدلى من ياقة قميصه ، من بين أصابعه ، تخرج من بين شفتيه صبية معجونة الملامح .
نادى الأب ابنته الصغرى وقال لها سلمي على عريسك ... ضحك الصهر وايقن ان المبلغ الذي تنازل عنه لم يذهب سدى .
اشعل الوالد سيجارة من السيجارة التي قام برميها في المنفضة ، وذرفت الأم دمعة على الأبن المسجون ، وغاب العنق المذبوح في زحمة الابتسامات .
Post A Comment: