ان المعرفة أداة من أدوات الحياة التي يتفاعل بها الأفراد المنتمون للبنية الاجتماعية، منها تكون مصالحهم المشتركة وبها يحددون القيم و الاعراف، فالوجود الاجتماعي يحدد وعيه المشروط بالبنية. ان الاستثناء من الارتباط الواعي بالبناء المجتمعي هو للمثقف الذي يتحلى بروح مستقلة يراهن بكينونته للوصول الى شمولية الفكرة و علوها، فهو يسلب اليقينيات قداستها و يربك البديهيات و منطقها، انه كما قال سارتر الضمير الشقي الذي لا يرتاح لامر الواقع المتبلد بين القيل و القال، كذا لا يقف عند حدود معرفته و تخصصه العلمي ليشمل كل ما هو مجتمعي و إنساني. ان المثقف العربي لم ينتج فاعلية هذا الدور فضحى بالحقيقة من أجل تطلعاته و اشكاليات ذاته، و ظن أنه مثقف حين أشتغل في وظائف خادعته و اوهمته و لم يدرك زيف ثقافته. كما أن افتقار المثقف كما يقول ميلز للنزاهة افقده الشجاعة التي هي السمة المميزة للثقافة و الحقيقة، انه حين طرح غرامشي مفهوم المثقف العضوي الذي يخاطب المجتمع معبرا عن همه و وجدانه و حلمه مارس مثقف الراهن التدليس الفكري و القيمي فكرر انتاج معرفة الاخرين و إصدارها عبر الوظيفة التأهيل و الترقية فانحسر دوره و عاش العجز المطلق المولد لانكسار دائم في ذاته او متعالي على الثقافة ذاتها ليعيش تباهي القصائد و أساطير مثقف الصالونات عن التغيير و القدرة، في حين أنه لو لا حيرته ما كان عجزه، ان كل انسان هو انسان مثقف و لكن ليس لكل انسان في المجتمع وظيفة المثقف، انه رابط البنيتين الفوقية و التحتية المعبر عن الضمير الجمعي الذي يبحث عن الحقيقة ويؤثر في مراكز القوة انه الفاعل المتمرد، غير المنساق مع متطلبات القبيلة الحزب و الدولة بل حتى انه مقلق للحس العام و ثقافته، حقيقة ان المثقف هو من يستطيع عقله مراقبة نفسه.
Post A Comment: