سبعة أشهر ، و هذا الڤايروس الضئيل المسعور يناطح سور محكم فرضته سلطات ولاية جنوب استراليا لمنع جُرمه المتناهي في الصِغَر من النفاذ الى صدور الناس من خلال الوقاية الصحية و المتابعة لحالات الإصابة و عزلها.
نجاح كبير لخطة وُضِعَت باحتراف متخصصين و خبراء جعلت مدينة أديلايد تعيش بعيداً عن العالم و الوباء الذي يحصد الناس حصداً ، بدون مباركة من مَرقَد و لا كرامة مِن وليّ .
حتى جاء الخطر من مكمن الحذر . تسرّب الڤايروس من خلال العائدين الى استراليا من خارجها. طبعاً يتمّ حجرهم لإسبوعين للتأكّد ، و لكن تعلّقَ الڤايروس الشقيّ بإحدى عاملات النظافة في فندق الحَجْر ، فهربَ الى عائلتها و انتقل بينهم واحداً تلو الآخر .
أُمّها إمرة عجوز ، عانتْ من الأعراض فالتجأَتْ إلى المستشفى فتمّ تشخيصها .
و قامت قيامة الناس و لم تقعد ، و انتبهتْ السلطاتُ الصحية فاستجابتْ بسرعة خارقة ، و تم تفعيل خطة موضوعة مسبقاً لمواجهة تفشّي الڤايروس فتَمّ رصد المصابين و عزلهم .
في فندق آخر بعيد ، مخصّص لحَجْر الوافدين أيضاً ، تعلّقَ الڤايروس بشخص آخر ، فردٌ من من حراسة الفندق ؛ ... و هذا الحارس ، اتفّق الأمر أنه يعمل في أوقات أخرى عاملاً في محل لإعداد البيتزا في المدينة .
عرفتْ السلطاتُ الطبية من أين جاء الفايروس بالضبط من خلال فحص الجينوم الخاص بسلالة الڤايروس ( يعني مِن يا عَمام !) . و تمّ حصر الموضوع و عزل الناس .
فجأةً ظهرت إصابة بشخص من العامة ، فانذهل المختصون و أُصيبوا بالفزع ، من أين جاءت هذه الإصابة ؟!
و من خلال فحص جَينوم الڤايروس عرفوا أنها نفس سلالة الڤايروس التي حملها حارس الفندق ، الذي يعمل في محل البيتزا ! و حين سألوا هذا الشخص قال نعم أنا اشتريتُ بيتزا من محل في المدينة ، تبيّن أنّهُ نفس المحل الذي يعمل به حارس الفندق.
هنا بلغت القلوب الحناجر و زُلزل قومُ الوقاية الصحية زلزالاً شديداً ! لقد تسرّب الفايروس إلى شوارع المدينة من محل البيتزا .
و التسرُّب تمّ من خلال اللمس و ليس المخالطة وجهاً لوجه أو استنشاق الڤايروس من نَفَس محادِثِك كما هو معروف ، و هذا يعني أنّ السلالة الجديدة أصبحت أكثر ضراوة و شراسة.
و في ساعات قليلة ، ظهر رئيس الوزراء ليغلق المدينة عن بكرة أبيها ، محلّاتها و مطاعمها ، مدارسها وجامعاتها ، شوارعها و نواحيها ، إغلاقاً تامّاً باتّاً.
يجب أن نشخّص مَن ( ربّما ) انتقلَتْ إليه العدوى لنوقف انتشار الوباء.
ياللهول ! تجحفل الناس مهرعين نحو أماكن الفحص و تم أخذ عشرين ألف مسحة خلال يومين.
استنفرت المدينة ، و أطاع الناسُ سُراتَهم ، فلبسوا أقنعتهم و دخلوا بيوتهم طواعيةً بإحساس بالمسؤوليةِ فريد ، و فرغت الشوارع ، و أقفرَتْ الأماكن العامة و الأسواق ، و صوَّحَت الميادين التي كانت تعجّ بالناس ، فصارت المدينة أثراً بعد عين ، و ساد الهدوء الثقيل ، فأصبحت زقزقة العصافير لحناً واضحاً حتى لذي صَمم .
أخذ الطريق الى المستشفى منّي رُبع الوقت المُعتاد و تمّ غلق المُراجعات وجهاً لوجه و الإكتفاء بالإتصال بالمرضى ، أُولئك الذين كان يجب أن يحضروا لعيادة المستشفى الخارجية.
و في اليوم الثاني من الإغلاق الشامل ، صُعِقَ الجميع ، عندما ظهر رئيس الوزراء أمام الناس ليقول أن الشخص الذي قال إنه اشترى البيتزا و أُصيب بالعدوى من خلال شرائها ، لم يقل الحقيقة ، بل كَذَبَ و خدعَ السلطات و أضلّ الجميع !! كيف؟
في الحقيقة هو لم يشتر البيتزا كما قال ، بل كان يعمل في محل البيتزا جنباً إلى جنب مع حارس الفندق المصاب ، كانوا زملاء في العمل و هكذا أُصيب بالڤايروس !
و هذا يعني أنّ العدوى لم تحصل من خلال اللمس بل بالإتصال لوقت طويل . أي أن الڤايروس لم يتسرّب إلى الشوارع و الناس !
إعتذر رئيس الوزراء ، و رفع الحجر و الإغلاق و سيرجع الناس إلى حياتهم الطبيعية غداً ، صباح السبت.
كذب هذا الشخص ليحمي نفسه من تبعات عقوبة العمل غير المرخّص به ، لكنّه أضرّ بأُمّةٍ كاملة.
أمّا عن الإداء المذهل للسلطات الحكومية و الطبية فهذا ما يجب أن يُدرَّس و يُحتذى به . هكذا يكون الإنضباط و المهنية عندما يسندُ الأمرُ لأهله ، و تُعطى مقاليد الأمور لأهلها .
و هكذا تكون ثقة الناس بحكومتهم ، مُتأتّيةً من احترامهم لقدرات و تميّز سُراتهم و رؤسائهم ، يؤمنون جداً أنّهم أهلٌ لكلّ مُعضلة فيطيعون ...
.......
((فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)).
قال كيف إضاعتها؟
قال: ((إذا وسد الأمر إلى غير أهله ، فانتظر الساعة))
هناك الكثير مِمّن يعيشون أهوال الساعة حقّاً ، و يرونَ نارها عين اليقين كل يوم ، و يبصرون مكابداتها عَياناً ، و مازالوا يوسدونَ الأمرَ إلى غير أهله ! ..
Post A Comment: