لا يعيش المثقف تطوراً فكرياً طالما كان مسلكه وشغله الشاغل التوفيق بين قبلياته القديمة الضاربة في التاريخ والراكدة في لاوعيه وبين الجديد الذي يقف عليه.
يتمثل أوج التطور الفكري بحصول قطيعة على نحو ما مع القديم والوصول إلى نقطة اللارجوع إليه.
كلنا عشنا ونعيش فكراً كلاسيكياً متوارثاً، بيد أن تطور البعض يصل به إلى أن يهذّب كلاسيكيته ويطعمّها بالجديد - تنويرياً - بدرجة معينة، وبعضٌ يقتلع روحها وتبقى رواسبها الثقافية شكلية، وبعضٌ يُولد من جديد وفق عقل منبت الصلة مع كل ما كان يشغله عقله وادراكاته الواعية وغير الواعية بدرجة كبيرة.
المثقف الذي ينشد التطور في الفهم والمعرفة يفترض منه أن لا يقف عند حد. كم هو صعب عليه أن يعيش تناحراً فكرياً بين القديم والجديد في عقله، يكون شكّاكا ومتوتراً ومنفصماً ذلك أن اختلاج هذا التناحر يشكل مرحلة في غاية الحرج تفضي إلى إما انعطافة هوياتية وتنكراً للقوالب المعرفية القائمة واما التراجع المريح والركون الى الكلاسيكية المتوقدة داخل نفسه بكل ما تحمله من تراث ورموز وشخصيات مألوفة بل هي - الكلاسيكية - الكيان المعرفي الذي لا يملك نفسياً واجتماعياً شجاعة مفارقته مهما كانت وجاهة وقوة ما يكتشفه من جديد. لذلك فهو هنا يكلّ ويتقهقر جاعلاً غيره يفكر عنه في حيرته وأزمة الأسئلة الحائرة ليسلك كالمعتاد طريق تلقي الأجوبة الجاهزة والعيش على القدوة والاستلهام من الرموز الشخصية.
لا أحد يرتاح لتغيير - ذاتياً - أنساق التفكير والمتبنيات، لأنه صراع مع الثقة بالنفس بأن تشذ عن السائد والثقة بعقله النقدي بما يرشد لاجتراح طريق مختلف عن العقل الجمعي. طبيعي أن يشك الشخص في نفسه وعقله ويستوحش المضي قدما ًحين يتوصل إلى نسف ما استقرت عليه عقائد وأفكار مجتمعه... نعم أنت مخطئ، من أنت أصلاً وغيرك أفنى عمره في العلم ووطّد نفسه بالورع ولم يأت بما تأتي به، اخرج منها فانك رجيم!
Post A Comment: