شكلت الثقافة العربية عبر عصور متلاحقة ، ركناً ثابتاً في ذاكرة الأدب عالمياً ، وكانت جسر عبور ما بين الشرق والغرب ، وتمكن كوكبة من الكتّاب العرب من دكّ مداميك الفكر العربي على جدول الثقافة عالميا ، خصوصًا وأن الشرق بعامّته كان قائماً على قاعدة الموروثات ، وشهد على تقلّب مستمر بالحضارات المتعاقبة ، بدءًا من الحضارة اليونانية إلى الرومانية مرورًا بالفارسية وغيرها ، هذا الاندماج أسس لموروث فكري لا يُقدر بثمن ،
نعيش اليوم تراجعًا ساحقًا في منحنى الثقافة العربية ، بدءًا من الإبداع والخلق مرورًا بفن الصياغة وثراء البلاغة ، إلاّ أن الإنفتاح الأخير تكنولوجياً جاء بمدلولات ومصطلحات أعجمية ، أثّرت بشكل سلبي على الروح الشرقية ، الأمر الذي خلق شيئًا من الشرخ في نمطية الكتابات العربية ، علمًا بأن بعض المتأثرين بهذه الحركة ، وهم يشكلون فئة ضئيلة استطاعوا أن يوظفوا هذه المصطلحات في مكانها السليم ، كما أن القراءة الإلكترونية أثّرت بشكل سلبي على روح القراءة الورقية ، لأنها جاءت من خلال ذاكرة سريعة الهضم للمعلومة ، تمامًا مثل عملية التلقيح الإصطناعي ، فكان لا بد من إعادة تدوير الملف من جديد ، وإقامة ورشة مستعجلة لفهم الأمور من زاوية ثقافية منطقية سلمية ، وبالتالي إلى رصّ وحدة الموروث الثقافي الشرقي ، لأن الذاكرة اليوم متعبة وبحاجة للقاح مغذٍ يعيد القراءة إلى الحواس مجدداً ، ليكتمل المشهد الثقافي
خدمتنا نحن المثقفين تكنولوجيا ، بتسريع حركة المعلومة وإيصالها لأكبر شريحة من المتلقين ، لكنها شكلت عبئًا في المعنى إذا كان المؤلف أو الكاتب غير ملم إلمامًا كافيًا بنصّه ، وبات من الضروري إيجاد خريطة ثقافية شرقية تتلاءم مع جغرافية هذا الإنفتاح الكوني ، ودمج الرؤية بما يخدم المعنى
تستكين ثقافتنا العربية اليوم ، وتعاني من مرض الإستنساخ والتكرار ، ونادراً ما نعثر على نص
شارد يتجلى في مضمونه الإبداع العربي المعروف ، فالقميص الثقافي الشرقي صار متهلهلاً بالياً ولا بد من ثورة فكرية ناشطة من أصحاب الشأن والقيّمين على الجسم الثقافي بكل رُمّته.
Post A Comment: