إلى زوجتي

تَثاءَبَ النهارُ قبْلَ أَنْ يُكفّنَ أَجفانَهُ الْمَسَاءْ
وَ لَفَّ الْقصْرَ صَمْتٌ موحشٌ
وَ أُطْفِئَ مَا فيهِ منْ أَضوَاءْ
جَناحُ شهْرَيَارْ 
قدْ ظلَّ وَحْدَهُ مُضاءْ .
تمطّتْ شهْرَزادُ في دَلاَلْ 
و قالَتْ في اسْتِحْيَاءْ 
هَلْ يَأْذنُ مَوْلاَيَ أَنْ اسْتأْنِفَ الْحَديثَ حَيْثُ أَوْقفْنَاهُ الْبَارِحَهْ 
إنْ كَانَ قدْ تفضّلَ بِنعْمَةِ الإصْغاءْ ؟
فقالَ شهْرَيَارْ 
في هَمْسٍ لَمْ تَعْهَدْهُ شهرزادُ مُطلَقٌا 
و نبْرَةِ استجْدَاءْ 
يَا شهرزادُ يَا بَالِغَةَ الذّكَاءْ
دَعينَا نقْلِبِ الأَدْوَارَ لَيْلَةً 
فَلْتَسْكُتي و اللّيْلُ لا يََزالُ  حَالِكَ الظّلْمَاءْ
وَلْتُنْصِتي إلَيَّ جيّدًا 
في لَحْظةِ صَفاءْ 
ـ مَوْلاَيَ أَخشى إنْ أَنا سَكَتْ 
أَنْ يُقطَعَ اللّسَانُ منّي ـ قبلَ الرّأْسِ ـ  مثلَ سَائِرِ النسَاءْ
ـ أَرْجوكِ لاَ تخافي 
مَا عُدْتُ استطيعُ أنْ أُصادِرَ الأصْواتَ مثلَمَا أَشاءْ 
فشهريارُ الْوَحْشُ قاتلُ العذارَى مَاتَ لِلأَبَدْ 
 الْحُبُّ يَا لَبيبَتي قدْ أَحْدَثَ مُعْجزةَ الشفاءْ 
ـ الْحُبُّ قلْتْ؟
كَلِمَةٌ لَمْ تُسْمَعْ منكَ أَبَدَا .
مَا  مَعْنَى أنْ تحبّني 
في زمَنِ احْتسابِ الرِّبْحِ و الْخسَارَهْ 
و قِسْمَةِ الغنائِمِ مَا بَيْنَ الإخوَةِ الأعْْداءْ؟ 
ـ مَعْناهُ أنْ أُجذّفَ 
بعَكْسِ الرّيحِ في الأنواءْ 
أنْ أُؤْمِنَ بالصّدْقِ و الوفاءِ و النقاءِ و المودّةِ 
في زمَنِ الخداعِ و النفاقِ و الكراهِيَهْ 
و العُهْرِ و السُّقوطِ و البغاءْ 
معْناهُ أنْ تكوني الماءْ 
و الظلَّ في الصّحْرَاءْ 
و أنْ تكوني النورْ 
في لَيْلَةٍ لَيْلاَءْ 
لِمُدْلِجِ قدْ ضيّعَ طريقهُ 
و هَدّهُ الإعْيَاءْ 
خطيئَتي التي ارتكبْتُ دونمَا ندَمْ
لِيُصْبحَ الْهُبوطُ كالإسْرَاءْ 
و تنتفي الحواجزُ مَا بيْنَ الأرْضِ و السّماءْ 
معْناهُ أنْ أنبَعِثَ 
متى دَنوْتِ منْ رَمادي كالْعَنْقاءْ 
و أنْ يَظلَّ الطفلُ فيَّ يَحْلُمُ 
بالنحْلِ و الفراشِ و الزهورِ في الشتاءْ 
و في سنينِ الجدْبْ
بالخصْبِ و الرّخاءْ 
و أنْ أظلَّ رَغمَ صَمْتِكِ الثقيل أقرَاُ 
مَا في أَعْمَاقِكِ يَضجُّ منْ مَشاعِرَ 
يَحولُ دونَ الْبَوْحِ و الإفصاحِ عنْهَا الكبْريَاءْ 
مَعناهُ أنْ يَجْتاحَني الشعورُ بالْغيَابْ 
مَتَى شهِدْتُ وَحْدي رَوْعَةَ الشروقِ و الغروبِ في الْخَلاَءْ 
و تَعْتَريني رَغبَةٌ وحْشيَّةٌ 
ـ كالطفلِ ـ في الْبُكاءْ 
و أنْ يَصيرَ الْكَوْنُ في غيَابِكِ 
زنزانةً ضيّقةً
لا يَنفذ إلَيْهَا النورُ و الهَوَاءْ 
و أنْ أظلَّ أهْذي باسْمِكِ 
عَلَى فراشِ الْمَوْتِ حتّى الانطِفَاءْ 
مَعْناهُ أنْ يَصيرَ حِضْنُكِ في لحَظاتِ البَوْحْ
كُرْسيَّ الاعترافِ بالأخْطاءْ
عليْهِ يَا فاتِنَتي أعْتذرُ 
لِسَائِرِ النسَاءْ
عنْ كُلِّ دَمْعَةٍ قدْ ذُرِفَتْ 
و كلِّ آهَةٍ قدْ صُعِّدَتْ 
و كلِّ بسْمَةٍ قدْ سُرِقَتْ 
و كلِّ رَغبَةٍ قدْ كُبِتَتْ 
و كلِّ شفَةٍ قدْ نُهِشَتْ 
و كلِّ حلْمَةٍ قدْ ذُبحَتْ
 و كلِّ أُنثى خُتِنَتْ و اغتُصِبَتْ 
أوَّاهِ في مَقاصيرِ الْحَريمِ و الإمَاءْ 
أعتذرُ لهنّ يَا غاليَتي 
عنْ كلِّ مَا قدْ سَالَ من نحورِهِنَّ عندَ الذبْحِ من دماءْ 
عنْ كلِّ مَا ارتكَبَهُ الذكورُ منْ جرَائِمَ 
بدافِعِ الغرورِ و الشذوذِ و الغبَاءْ .
ـ لماذا يَا مَوْلاَيَ اخترْتَني منْ دونِ سَائِرِ النسَاءْ ؟
ـ لأنّكِ أنسَيْتِني منذُ التقيْنا 
كلَّ قطّةٍ أَليفةٍ 
و كلّّ دُمْيَةٍ عَمْيَاءْ
مَحَوْتِ منْ ذاكرَتي 
كلَّ الصِّفاتِ و الاسماءْ 
سيَّانِ عندي اليَوْمَ شُقْرَةٌ أَوْ سُمْرَةٌ 
سيّانِ هندُ أوْ بُثيْنةُ أوْ لَيْلَى أوْ عَفرَاءْ 
عَلّمْتِني 
أنْ أبْحَثَ في اللُّغَةِ 
عنْ مُفرَدَاتٍ بِكْرْ  
مَا فضَّ خَتْمَهَا الأمْوَاتُ و الأحْيَاءْ 
لأنّني أرَى في رَفّةِ أهْدابِكِ تمَوُّجَ السّنابِلِ 
في أرْضنا الْمِعْطاءْ 
و أقرَاُ على جبينِكِ الْمُرْتفعِ 
مَا في أعْمَاقِ شغْبِنا الكريمِ منْ إبَاءْ 
لأنّني أحسُّ حين تبْسُمينَ رَغْمَ الحُزنِ في عَيْنيْكِ 
أنّ الفجْرَ آتٍ رَغمَ وَحْشةِ الظلْمَاءْ 
ـ أخافُ أنْ يُصيبَكَ الضّجَرْ 
و أنْ تملَّ عِشرَتي
إذا اكتشفتَ السّرْ 
و أنْ يسْتيْقظَ فيكَ الرّحيلُ فجْأَةً
و أنْ تُلَبّيَ النداءْ 
ـ مَا عَادَ للرّحيلِ وَحْدِي مُوجِبٌ 
لأَنْتِ منْ قضيْتُ العُمْرَ عنكِ أبْحَثُ 
يَا مَرْفئي الأخيرَ 
يَا خلاَصَةَ النّساءْ 
سَنسْلُكُ طريقًا صَاعِدًا 
بغابَةٍ كثيفة ظلالُهَا فسيحَةِ الأرْجاءْ 
و نوقدُ في كلِّ رُكْنٍ شمْعَةً 
لِكَيْ لاَ نبْقَى نلْعَنُ الظلامَ في اسْترٍخاءْ .
سَيُدْرِكُ منْ سَوْفَ يَأْتي بَعْدَنا 
بأنّنا مَرَرْنا منْ هُنا 
و لَمْ نكُنْ عَلَى جدَارِ الْكَهْفِ ظلاًّ عَابِرًا 
مَآلُهُ الْفنَاءْ .
و أدْرَكَ الصّبَاحُ شهْرَيَارَ وهْوَ في أحْضانِ شهْرَزادَ نائِمٌ 
كالطفلِ بَعْدَ طولِ اللّعِبِ 
أَصَابَهُ الإعْيَاءْ .

                           



Share To: