منحنية الظهر وفي يدها مكنسة،تنظف الأرض،وعلى ظهرها طفلها الصغير كان يبكي،ربمابداية للزكام،كلما تغير الحال،كلما أصبح أنفه يرشح وتصيبه الحمى، حال ابنها أصبح ينبئها بتغير الطقس ،حساسة ابنها أصبحت مقياسا للحالة الجوية .
ابنها على ظهرها زادها ثقلا ،لقد ربطته بحجابها وعلى مستوى ظهرها، وإن تهاونت أو لم تحاذر تخاف سقوط ولدها،أم زوجها كبيرة لاتطمع في مساعدتها أبدا إلا في بعض الأمور البسيطة التي لا تكلف جهدا،المهم أن تسكت ،ولا تراقبها بعين المجهر ،كلما رأتها ارتاحت ولو لحظات تقول أم زوجها : آه انهيت كل الأعمال حتى ترتاحي!؟ كانت لويزة تقوم بكل أعمال البيت، من لحظة فتح عينيها حتى الظلام،تكنس،ترتب البيت ، وتطبخ ،وتغسل الصحون، ثم تهتم بطفلها الذي تفضله، وتحبه،لكن تعبه كثير ،وخاصة في حالة مرضه، لاتنسى البارحة لم ينم طول الليل وهو يتلوى من شدة الحمى،كم مرة قامت تهدهده،ومرة تحمله وتسير ذهابا وإيابا كأنها تقيس طول الغرفة،لعله يسكت،وأحيانا تغني له ربما يرقد ،لقد تألمت من ذراعها وكتفها يؤلمانها بسبب الساعات الطوال وهي تحمل ابنها،ظلت كذلك حتى سمعت أذان الفجر،الله أكبر، ماذا بقي لقد طلع النهار،وقتها بدأ الطفل يغمض عينيه،هل تعود للفراش،إنها مشتاقة للنوم،حتى الموت تعطي راحة،وضعت ابنها بسكون وصمت شديدين، حتى لا توقظه، كانت تشعر وكأنها مخدرة،تترنح في مشيتها من التعب وقلة النوم،ترغب ولو في خمس دقأئق فقط،لكنها تسمع صوت أم زوجها( عجوزتها) تناديها: طابت القهوة !؟إنها عادتها تتناول القهوة في الصباح الباكر حيث تبيت تحلم بها، متى تهنأ لويزة! في جهنم!؟ هكذا تحدث نفسها وهي غاضبة،ودمعتها على خدها، لقد فارقت الدراسة، ولم تكمل تعليمها ليس لغبائها فقد تفوقت في الدراسة ونالت جائزة الامتياز واللوحات الشرفية،لقد توقفت عن الدراسة لبعد الثانوية إنها في المدينة،عشرات الكيلومترات، والمصروف اليومي للنقل والأكل ،وأين المبيت!؟ لذلك رضيت لحالها وحال أسرتها الفقيرة،وهي تشفق على حالة ابيها كبر ومازال يعمل ويعيل العائلة ،لذلك سكتت وكظمت ما بقلبها من ألم. 
حين تتذكر الدراسة،تتذكر قراءتها للمنفلوطي الذي تأثرت به كثيرا خاصة كتاب: العبرات،وأشعار المتنبي،،،،كانت تطالع وتأخذ علامة جيدة في دراسة النصوص، ويمدحها أستاذ اللغة ويسميها( الأديبة ). 
وماذا عن زوجك يالويزة!؟ زوجي أخذ عادة أسرته،رغم طيبته فهو لا يساعدني حتى القهوة أحضرها له وأضعها في الفنجان،واضع السكر،،،يداه مكسرتان،ثم إنها العادة لا يجرؤ على مخالفتها،فإذا ساعد الزوج زوجته اتهم بالجبن والخوف من المرأة التي تتحكم فيه،وخاصة مع أمه! آه لو فعل ذلك ستأكله، وتوبخه ولا يستطيع الخلاص منها.
إن الزوجة ليمونة،تعصر وتعصر حتى يجف ماؤها وتيبس ثم ترمى ويتخلص منها! أو هي شبيهة بحصان جر العربات، يعمل سنين طويلة،ثم يكبر ويهرم وتهرب عنه قوته، ويخونه الحظ،ولايستطيع جر العربة الثقيلة ،ولا تحمل ضربات السوط،فيستغنى عنه ويحل محله حصان شاب ،يقوم بنفس الدور، والطاحونة تدور وتدور، وقطار الحياة يجري ويجر معه ما يجد في طريقه.
رغم غضبها على حظها وعلى زوجها وأمه احيانا،لكن عندما ترتاح وتستقر قليلا تعود لويزة لطيبة المرأة الجزائرية الحرة المكافحة،وتنسى كل شيئ ،وتتوجه لأم زوجها تخدمها وترعاها كأنها أمها الحقيقية وتغسل لها ثوبها وتساعدها على الاستحمام،وتحضر لها القهوة دون أن تطلب منها ذلك،وتحضر لها الكسكس لأنها تحبه كثيرا لا تمله، ولا تبغي عنه بديلا.
أما زوجها تعامله معاملة حسنة وتحبه،إنه أب ولدها .
لويزة عطر، عطر البلد، وقيمتها من قيمة العادات والتقاليد المغروسة فيها كأوتاد مثبتة في الأرض، تحكمها في حالة العواصف والزوابع،وعندما تظهر بهذا الحب الفائض المتدفق يشكرها الجميع بما فيها أم زوجها: اعذريني ابنتي، أنت جميلة وطيبة وتستحقين الخير والشكر، انت من غرس وشجرة طيبة ، يابنيتي ،ربي يحفظك ويعطيك الصحة والعافية.
وبهذه الكلمات تقدر ذاتها وتحب نفسها ، وترضى عن عملها،وتقوم تنظر لنفسها أمام المرآة،أحيانا تهمل تزيين نفسها ،فالعمل ينسبها كل شيئ،هذه المرة تهتم بتزيين نفسها وتتحول إلى عروسة تتباهى وتتحدى النساء في الجمال والإبتسامة والأناقة ،نعم فهي لويزة المرأة الحديدية ،لكن بقلب يتفجر ماؤه حبا وإحسانا.



Share To: