من مجموعة ذات الإطار الأبنوسي

راقب بعناية منقطعة النظير .. إلى تلك العينين, اللتين أوحيتا إليه : إن حدقتيهما تبعثان إليه بإيحاء ناطق, وان تلك الحلية الذهبية, الراقدة على صدرها تثير غيرته.

ما هذا كله ؟

* * *

منذ عوقه، واستعصاء قدرته، اعتاد أن يدفع بكرسيه, أمام بوابة الدار, ليرقب حركة الناس. كل أمله... أن يتحرى لكي يحظى برؤية ملامحها الأخاذة. ربما يحسسه ذلك بحاجته إن يضطرد نموه معها.

هيأ كرسيه حتى يطل مباشرة أمام طريقها, حتى يرتوي من سواد عينيها, ونضارة وجهها. أما إذا خلت الطريق, فانه سيظل ساهما, كأنه يستعيد ما نفحته من أريج. غير إن ذلك لا يتكرر باستمرار,فيقضي وقته يجتر تفاصيل ذكرياته.

ما الذي يدعوها إلى تلك النظرة ؟ أهو الحب ؟

***

كلما تأمل تلك الصورة ذات الإطار الأبنوسي ,التي أطرقت برأسها نحو سريره، وجدها تجنح إلى ملامح ( مروج ) وكأنها هي.

ظل يرقبها , ويتأمل ابتسامتها التي عودته عليها, فلاحت له كأن العينين تغازلانه, كيف لهذه الفتاة الرائعة, أن تنساق في حب مراهق ؟ كيف لها أن تحب كل هذا الحب؟ لاحت له عائدة من البوابة وهو مستلقِ على سريره, بذلك البهاء نفسه, وترمقه بتلك العينين, اللتين عاشرهما, منذ نعومة أظافره حتى هذه الساعة، أخفى قدميه تحت غطائه, كي لا تفاجئها حالته المحزنة.

وقفت أمامه وقالت : - من أين لك هذه العيون الناعسة ؟ لماذا تخفي ابتسامتك الآسرة هذه ؟

فابتسم بحياء . ثم قالت كأنها تتوعده :

- انتظر ...

دلفت إلى الداخل، واجتازت بوابة الغرفة، ناولته يديها فتمنّع، وقالت دون أن تراعي حرجه :

- لماذا تتحرج ..لأنك لا تستطيع؟

خفض رأسه بحياء , وضعت كفها تحت حنكه، ورفعت محياه :

ـ- هل تسمح برؤية ساقيك ؟

تندّى جبينه، ضاغطاً بذراعيه هناك، أراحتهما بهدوء، ومسحت عرقه وقالت :

ـ أنا أساعدك .

لم يقل شيئا, لأنه يعرف مدى عجزه.

قالت له بصوت آمر:

ـ- أنا أقول : انهض .

نهض ( فريد ) ، فراقب ساقيه كيف استقامتا .

سألته: ـ من في البيت ؟

قال : - أمي نائمة.

واربت الباب الخارجي وقادته إلى الحمام، كانت قدماه تتنقلان بعناء .

قالت :- إمش .. ستعتاد كالآخرين.

دخلت به إلى المنـزع ..

خلعت ثيابه، دعكت جسده كله، دلكت ساقيه بعنف، وسكبت الماء على جسده وساقيه.

قالت : ـ كم أنت جميل ؟افتح عينيك وشاهد ساقيك كيف تحلوان . :

اغتصب نظره إلى هناك وقال :

- هل هذا أنا ؟

قالت : ــ ومن تكن ؟ أليس من حقك أن تكون ؟ انك بحاجة إلى هذا, هل شاهدت سحر عينيك ؟

قال لها :- اعطني الصابون .

اخذ الصابون، وقطعة الجلي، وأبرى ساقيه وجسده,

ضحكت وقالت :- أتقبلني زوجة ؟

أومأ برأسه موافقا .

أتت بالمنشفة، وناولته ملابسه الجديدة، فارتداها وغادرا الحمام.

كان الوقت يمضي في الليل. جلسا سوية في غرفته مثل زوج وزوجه. أمه لما تزل نائمة، ولا تعلم بأمرهما شيئا.

* * *

استلقيا على الفراش ، قال : ـ أنا بحاجة إلى هواء نقي.. إني أختنق .

قالت :ـ هل ترغب أن نتجول مادام الجميع يخلدون إلى النوم؟

غادرا إلى الشارع, الجو بديع، وضعا يدا بيد، وانطلقا راكضين . مرا بطرق المدينة كلها، عبثا هنا وهناك، طرقا الأبواب،الناس يجفلون ،فيطلون برؤوسهم ويهتفون :

- من الطارق ؟

الاثنان يختبئان، وهما يمضيان بالضحك، بعض العجائز تشتم وتقول : - من هو الخبيث الذي يطرق في عمق هذا الليل ؟

فتهمست ( مروج ) بصوت خافت :

ـ فريد....... انه فريد....... الذي اختطف ( مروج ) . تعالوا وأنقذوها ؟

أجهدا نفسيهما بهذا الجري والعبث، أجهدتهما المشاكسة. أية لذة عظيمة لهذه المشاكسة ؟

وبعد أن كلّت قواها من شدة الضحك قالت له :

ــ فريد ....أنا لا أستطيع الجري، لقد كلّت رئتاي من الضحك ، ألا تستطيع حملي بين ذراعيك ؟

حملها بين ذراعيه ، كأي شاب فتي ، وركض باتجاه زاوية قريبة يلوذ فيها .

قال:- أتريدين أن أحملك مسافة أكثر؟ أنا لا يتعبني ذلك .

قالت: - دعني أتوسد ذراعك و أنام .

قال :- لا يجوز هذا في العراء. دعيني أحملك إلى البيت .

عادا إلى البيت متعبين , واندسا في الفراش, مضيا يتأملان جولتهما ويضحكان بصوت واطئ ، قالت مروج : - مستيقظ؟

قال : - أُصارحك ..؟ إنّي متعب جداً . فقد مضيت أجري كالحصان .

قالت :

- آه ..كنتَ من الجموح بحيث عانيت من اللحاق بك. لا تنسى.. عندما يشعشع الصباح أيقظني لكي أعود من حيث أتيت.

قال :

- أليس بوسعك أن تستغني، ولو لليلة ثانية، عن موقعك العالي ونمارس أحلامنا الجميلة؟ أليس من حقنا أن نتقارب في إطار واحد؟




Share To: