حَراكٌ في الكلام.
شاعرٌ كالكلام يفرّ إلى مدينة قديمةٍ،
يفوح لونُ الجمال من بين أصابعه،
النّساء يضفرْن الأشعّة على النّوافذ
و يزينّ فِرَارَهُ من الصّخب الدّاكن...
إلى الغيم.
إلى الكلام…
هناك يُدَقّ على اللّسان
كما يُدقّ على جرسٍ نحاسيٍّ في المعابد.
حَراكُ في عمقه…
كأنّ كلبًا ينبحُ خلال القلبْ
كأنّ صدًى ييْبَسُ دوائِرَ بيْضاءَ.
طعمُ القهوةِ مُؤنّثٌ هذا المساء.
حَراكٌ،
تمرّ أصابُعه باهتَةً
– امرأة رَحَلَتْ...
أخرى ترحلُ...
وتَنْتَهِي القصيدَةُ،
يمرّ إلى هذيان الشَّوَارِعِ
ويدرك عِنْدَ شجرةٍ مّا وحدَةً مّا،
ريشًا عالِقًا …
يمرّ من شَارِعٍ إلى….
سيجَارَةٍ.
أزرقُ رحبٌ وسيجارةٌ أخرى
.يشبهه الدّخانُ
يشبه عُنق امرأة قد تُولَدْ.
حَراك…
على الشّبابيك يُصلَبُ البصر
تتهافتُ هاماتٌ من الرّيح
حكاياتٌ صغيرةٌ تمرّ سريعا
ماذا لو يحاول اتّجاها فارغا؟
تتعفّنُ الغمامات فوق الرّصيف
“مريمُ” تموء خلسة
يَدُهُ تُدقّ على الألف
ويدٌ أخرى على الياءْ
هذا الكرسيّ من عظمه.
المساميرُ مغروزة في جلده الصّامت.
الكرسيّ للحائرين أمام قمر
لم يعد لسماء الزّرع.
تموء “مريمُه” الشّخصيّة
وكلّ الألوان...
بيته الشّعريّ يموءُ
مربّعاته محاصرة برائحة قهوة الجند الصّاخبينْ.
يشخصُ وجهُهُ في السّاعة العاطلة…
قد يجدُ حكاية للشَّفَةِ الوَاقفَة.
تُذبح سبّابتُه في الاتّجاه الأماميّ
“يخشخش” القصبُ في مكوّنات السّؤال
و تُحمل المدينةُ في عجلات القطارات.
هو على سطح الورق مسيح هذا اللّيل
و لا تولد “إلوا”*
دمعةً له ودمعةً للحائرين،
من أجل القصائد
والأقمار القادمَة.
هناك من يسْترق اللّمس للضّوء.
هناك من يفسّر عتمة قلْبه كما يُفسّر الحلمُ.
هناك من يصعدُ حثيثا
في متجمّدات الحروف...
هناك من يتدلّى كالضّمائر الغائبة
و يستعيدُ فمًا مقشّرا من أكداس التّسمية.
من أبوابِهَا المكتومَةِ
يغادرُهَا غيرَ مُتأكّد من ذكرى واحدة،
غير أن الآجرَ يظلّ ملتهبًا
وعيون الصبايا تظلّ غامضة
ويظلّ عالقا في لون الورود.
يظلّ الملمحُ هادئا
طعم الملح يظلّ برّيّا في جلّ الشّبابيك
والشّريان يظلّ يحترقُ في ملمس المنهزم وجوديّا.
هناك من يسترق اللّمس
لوجه الجمع في وجهه.
هناك من يصعد
في المتجمّد الشّماليّ من القلب.
هناك من يتدلّى ضميرا
فاته عصر الصّرف الذّهبيّ.
قابعا في الظّل لا عصفور لهدوئه،
يقْفز من نبضة إلى حجر
ويوارَى …
كالمطعون في أوراقه.
أطال المشْيَ
ولم يفهمْ شيئا في الوجه.
البنايةَ القديمة على الجبين،
المسْمارَ المغروز ناحية الحليب في الذّاكرَة.
هلْ كنتَ ما على المرآة
في المرآة أمامي؟
أم ما علق على النّافذة
ناحية الهزيمَة؟
أطال المشيَ
لم يفهمْ ما يجولُ في وجع رائحة تأتي
من ورقة تتهاوى شمال الظلّ
أما الجنوب
فدائما بلا إيقاع
دائما يحرسُ صنما طعن في الألْوان.
أطال المشيَ
من الطاولة الهرمة
إلى وجه في هامش العابرين.
من ” الحزين”…
إلى….”لم يفهم العابرين”.
يغادرها
لن يذْكرَ بلّور امرأة واحدة،
يغادرها…
يرجِعُ المزلاجَ على مجاز المدُن
لن يذكر سوى بلّور امرأة وحيدة…
تضجّ القصيدة حتّى الرّكبتين.
هناك من لم يفْهم
هناك مَنْ استجمعَ سُؤالاً
لمجابهة ناقوس خطرٍ يُقرع فجأة.
إلهنا المطرود من الدّوائر
ومن غيمات الدّار،
كيف نعطيه الظلال المثقوبة لخياطتها
والحكايات الصّغيرة؟
مكدّسا بالحانة لا يفهمُ ،
يخلطُ بين الابتسامة والكأس.
لا يعرف أ لكيْ يذكرَها يقبّل الكأس
أم يكسرها تلك اليد الحزينة؟
مكدّسا بالحانة…
كأنّ المدينةَ تترك الشّوارع.
كأنّ المارّين شوارعُ تترك المدينة.
كأن رأسه المنسيَ على النّافذة
طيْر يائس،
من سنبلة في الهواء.
مازال ينتظر موعدا قديما
مازال يكنس الرّوح من يمامات مُرّة
من فراشات الظّلمة الموحشةْ
مازال فرس يركض فوق الطّاولة
مازال...
يحاول...
إنهاء...
الّليل.
ـــــــــــــــــ
إلوا: الاسم الّذي منحه ألفريد دي فينيي لدمعة المسيح.



Share To: