بثينة هي بطلة الرواية التي اعتقلت من قبل قوات الأمن وهي طالبة جامعية في العشرين من العمر بتهمة عملها مع منظمة أو حركة تسمى (العيش بكرامة )
وقد تم اعتقالها بطريقة وحشية وتعرضت خلال سنوات الاعتقال إلى أشد أنواع التعذيب وقضت عشرين عاما في السجون الظلماء وقد أفرج عنها وهي في عمر الأربعين .
 الروائية أسهبت كثيرا في وصف أساليب التعذيب بل نقلتها بأدق التفاصيل فهي في زنزانة سوداء لا يعرف ليلها من نهارها ، وكان أعز ما فقدت خلال فترة الاعتقال عرضها وشرفها بعد ما تعرضت للاغتصاب في داخل السجن من قبل المشرفين على تعذيبها ، اللذين وصفتهم بالطغاة المجردين من أي رحمة .
ولكنها رغم ما واجهت من تعذيب أبت أن تعترف مع من تعمل وبالتالي ضاعت أحلى سنوات عمرها من أجل قضية آمنت بها وهي العيش بكرامة ورفض الظالمين الطغاة والوقوف ضدهم مهما كانت التضحيات وتلك مثالية قصوى قد لا تتحقق إلا مع القليل من المجتمعات العربية التي آلت للانهيار في السنوات الأخيرة .
وبعد خروجها من المعتقل لم يكن لديها سوى أمها التي أعياها المرض، حينها فرغت نفسها لرعايتها وخدمتها ، وكان من عادات المجتمع الجلوس ليلا معا في أيام الصيف الحار أمام بيوتهم للحديث والتسامر أو أمام موقد النار في فصل الشتاء ، وشاءت الأقدار أن تلتقي بأسعد وأعجبت به وجعلت منه عنصرا مهما بالرواية وخاصة بعد أن تعرف عليها وتعلق بها واعترف لها بالحب وأنه يريد الزواج منها وقد وقعت عدة لقاءات بينهما في بيتهم وفي السوق وبعض المقاهي وكان ظهور أسعد بحياتها بمثابة بريق الأمل الذي فقدته كثيرا والذي غطّ بعيدا لعشرين عاما من حياتها.
ورد في الرواية من خلال السرد بعض الوجوه البلاغية والضربات اللغوية التي تجبر المتلقي أن يتذوق جمالياتها ،( وبقيت بعض النجوم العجائز تراقب ما ترى من الساهرين ) وهذه دلالة بلاغية أشارت بها إلى نجوم آخر الليل وهي لم تزل ساهرة مع النجوم ،
إن الإيمان بالقضية هو أرقى درجات السمو فلقد كانت بثينة مؤمنة إيمانا مطلقا بأن الأحلام جميعها احترقت وأصبحت رمادا ، لكنها لا تبالي لموت الأحلام ما دام السبب يعود للعيش بكرامة ! فكرامتها فوق كل حلم وهي دلالة أظهرت من خلالها التمسك بالمبدأ لأنه شرف الإنسان فما كان منها إلا تقاتل بالكلمة بدل الحجارة والكل يدرك وقع الكلمة على الطغاة والظالمين 
وكان ظهور أسعد في حياتها ولادة جديدة بالنسبة لها خاصة بعد التوافق الذي حدث بينها فبين حين وآخر كان يكتب لها الرسائل ( ليتني شمعة تحترق لتنير دروب العاشقين ، ليتني خصلةٌ من شعرك أيتها الحبيبة فأنا أحمل قلب عاشقٍ لأرى الماء المنسكب بين راحتيك وأرى الخجل يُكلل وجنتيك )
منتهى برعت في الوصف فقد مال وصفها للشاعرية ( بعد أن ربط الصيف أحزمته ورحل ، اقترب الخريف ذاك الفصل الذي يتصالح فيه المطر مع الشمس الفصل الذي تتعلق فيه القلوب هربا من حرارة الصيف )
حين تتوغل في الرواية ستجد الغرابة وهي تصف أساليب التعذيب التي واجهتها حتى تكاد تقول بأنها غالت كثيرا فقد ذكرت أنها رميت مع جثث القتلى لعشرين يوما ، والمعروف أن جثة الميت خلال يوم أو يومين سيصدر منها رائحة كريهة لا يمكن تحملها على الإطلاق كما أنهم أموات فلماذا يحتفظون بجثثهم طوال هذه الفترة ؟
أسندت الروائية الرواية إلى شخصية بثينة وأمها وأسعد فهذا الثلاثي أخذ مساحة السرد الأكثر فيها ، وقد غلب على الرواية طابع الوصف الدقيق لأبسط الأمور التي مرت بها كالتعذيب والخروج للسوق وإعداد الطعام والعناية بأمها ....
ونشير بأنها استطاعت أن تحافظ على التسلسل الزمني والتسلسل المكاني وعرفت كيف تخرج الأحداث ومن ثم الانتقال إلى أحداث أخرى لكي يبقى المتلقي مشدودا لمعرفة الأحداث والمجريات .
نهاية الرواية كانت في أعياد رأس السنة في بيتها مع أمها وأسعد الذي شرحت له ما جرى معها في أيام السجن إلا إنها لم تقل له عن اغتصابها فقد كانت خائفة من ردة فعله ولكنها في النهاية اعترفت له وأرته حلمتيها المقطوعتين من أثر التعذيب وأبقت نهاية الرواية مفتوحة ونحن نرى نهايتها بهذه الطريقة إيجابا يحسب لها وليس سلبا .
الرواية فن نثري يجسد مؤلفها شخصيات الرواية وقد تكون واقعية أو خيالية مع سرد الأحداث والمجريات وتنوعها ، ويكون للسرد الأساس المهم فيها والذي يتجسد من خلال الحوار والوصف والصراع بين الشخصيات وهناك عدة أنواع للرواية كالعاطفية والرومانسية والبوليسية والسياسية والوطنية والواقعية وحين دراستنا لرواية منتهى وجدنا روايتها مزيجا من رواية وطنية سياسية تداخلت فيها العاطفة ، لكنها مالت للاختصار في الشخصيات غير الرئيسية وركزت على بطلة الرواية وأسعد وأمها ، وإذا ما عدنا إلى عناصر الرواية الرئيسية من الحبكة والموضوع والزمان والمكان والحوار سنجد الروائية استوفت ما ذكرناه من خلال السرد فمنذ بداية الرواية لنهايتها ستجد من يدفعك لإكمال الرواية بلهفة وتشوق وهذه أهم صفات الروائي الناجح.
وقعت الرواية في 246 صفحة وطبعت في دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع سورية – دمشق –
أبارك لمنتهى ومزيدا من التألق .



Share To: