...وأنا أحبُّ نفْسي/ أحبُّكِ

كُلّما رأيتُ انعكاسي في ضحىٰ قلبكِ أو ريفِ عينَيكِ

وعندما تتعرّىٰ رُوحُكِ لوتسةً لوتسةْ

وتستحمُّ في بحيرةِ قلبي

أحبُّكِ/ أحبُّ نفْسي...


أؤمنُ بكِ،

أتْبعُ رؤاكِ،

وأنتظرُكِ،

كأنّنا نبوءةٌ نفثَها الوجودُ في رُوحينا،

وأوشكتْ علىٰ التحقّقِ.


كُلُّ ما يؤلمُني كُلُّ ما حولي ما دُمتِ لَسْتِ فيهِ:

الناسُ،

كالقرىٰ التي أصبحتْ مدنًا قاسيةً وصاخبةْ،

قلوبُهمْ مقفرةْ،

وكفوفُهمْ لا تُنبِتُ إلا الحديدَ والحجارةْ،

كُلّما صافحَني رَجلٌ انكسرتْ أصابعي،

وكُلّما صافحتُ امرأةً بترتْ يدِي والتهمتْها،

وكُلُّهمْ يقتلعونَ قطعةً منْ قلبي ويرحلونْ،

ولولا أنّني أعيدُ تشكيلَ نفْسي لبقيتُ مسخًا منذُ غيابِكْ.


الشوارعُ،

ثعابينُ عملاقةْ،

لا أفُوتُ في شارعٍ إلا والسُّمُّ يشتعلُ في جِلْدي، حتىٰ "النبوي المهندس" الشارعُ الذي ضمَّ قلبيْنا، صارَ يبتلعُني كُلّما مررتُ بهِ،

ثم يلفظُني هزيلًا ومنكسرا.


وأشجارُ "البونسيانا"

التي تزيّنُ ضفافَ شوارعِنا، وتثيرُ في كياني البهجةَ بأزهارِها الحمراءِ المعلَّقةِ كقلوبِ العاشقِينْ، أصبحَ الدمُ يتساقطُ منْ شقوقِها فوقي كُلّما مشيتُ تحتَها.


والعصافيرُ،

وكنتُ أحسبُها رُسلَكِ، فأصغي إليها في الصباحْ، وأتركُها تعشِّشُ في صدري آخِرَ اليومِ، أصبحتْ تنقرُ قلبي وتنخرُ ضلوعي، حتىٰ باتَ رأسي ينكفئُ علىٰ تجاويفَ خَرِبَةْ.


والبلادُ،

جوارحْ،

لا أحطُّ علىٰ بلدٍ إلا وتديرُ رأسَها لتفقعَ عينِيْ،

حتى "الإسكندرية" التي استضافتْني عيناكِ فيها آخِرَ مرةْ، وأجلستاني في بهوِ قلبِكْ، صارتْ تطاردُني وتبخُّ النارَ في قلبي كتنّينٍ بحريْ، حتىٰ يذوبَ ولا يتبقّىٰ منهُ إلا الشوكُ والملحْ.

ولولا أنّني أعيدُ تشكيلَ نفْسي لبقيتُ مسخًا منذُ غيابِكْ.


والكتبْ،

أنا الذي كنتُ أفكِّرُ أنَّ دفتيَّ كُلِّ كتابٍ جناحانْ،

أدركتُ أنّهما ساطورانِ يقطّعانِ كُلَّ باحثٍ عنِ الحقيقةْ.


والقصائدُ،

مناطيدُ الشعراءْ،

صارتْ لا ترتحلُ بي إلا إلىٰ سقرْ،

وكانتْ تخلقُ لي ألسنةً وتعلّمُ قلبي لغةً جديدةْ،

باتتْ تُكوِّمُ صمتًا علىٰ صمتي،

وتخلقُ كائناتٍ خرساءَ في صدري.


والموسيقىٰ،

أحصنةُ المُلحّنينَ المُجنَّحةْ،

كُلّما ركبتُ واحدًا سقطَ بي في هوّةٍ سحيقةْ.


واللوحاتُ،

قماشُ أرواحِ الرسامينَ الملوّنةْ،

كنتُ أرتديها وألوّنُ رُوحي بها،

الآنَ لا ترتدي رُوحي إلا الهباءْ.


حتىٰ غرفتي،

وكانتْ في عزلتي تُمثِّلُ وجودًا مطلقًا، تحوّلتْ إلىٰ زنزانةٍ، والسريرُ أمسىٰ طاولةً للتعذيبِ، والوسادةُ مِشنقةْ.


وأعيدُ تشكيلَ نفْسي،

وأكتشفُ أنَّ الحقيقةَ لا تتجلّىٰ إلا بينَ يدَيكِ،

وأنَّ عالَمي الحقيقي هُوَ أنتِ،

وأنَّ كُلَّ وجودٍ لَسْتِ فيهِ مُزيّفْ.




Share To: