رياح عاتية
أعلى الجبل تتحرر...
فراخُ النسر
الشاعرة: كريمة علي
...
****
نحنُ أمام نصٍ يتسم بالبساطةِ، لكنها بساطةٌ خادعة ، لا يستطيعُ خوضَ غِمارها إلا شاعرٌ متمرسٌ وقدير، ذلك لأنه نصٌ يحمل تأويلاتٍ عدة وكثيراً من العمق. نصٌ تتوفرُ فيه خصائص الهايكو الكلاسيكي ،ومع ذلك فمشهديتُه جديدةٌ ومتفردة.
تتألف النصُ من ثلاثةِ مشتهد مشهدان أماميان تمثلان الكيغو غير المباشر ومكان الحدث وآخر خلفي وهو حالة التحرر ممثلة بجلاء في الفعل " تتحرر" الذي بدوره أحدث فجوة توتر شعري نتج عنها عنصر الدهشة والمفاجأة.
رياح عاتية = الثورات الكبرى ( مشهد أمامي/ كيغو غير مباشر)
أعلى الجبل = مكان الحدث (مشهد أمامي)
تتحرر فراخ النسر= قلب الحدث (مشهد خلفي )
التنحي:
يُنكر الهايكو الذاتَ الشاعرة، الأنا الفرويدية، التي تكثرُ في الشعر بشكلٍ عام . وهذه الأنا تفجرُ كَمَّاً من المشاعرِ والعواطفِ التي تُعتبر حائلا ًفي مسار الهايكو . وذلك لأنه يعتمدُ في الأساس على المشهديةِ الحسية البعيدة عن الخيالِ المُجَنَّح والتعبيراتِ العاطفية المُباشرة. يجب على الشاعرِ أن يجعلَ عقلَه صافياً ليترك الأشياءَ تُعبر عن ذاتِها دون تدخلٍ منه ، وهذا ما فعلتُه الشاعرة كريمة علي في هذا النص . فالطبيعةُ وعناصرُها تُعلنُ عن ذاتِها . الأنا غائبة تماماً بكل انفعالاتِها ومشاعرِها ونرجسيتِها. يبدو المشهدُ بمكونات الطبيعة : الرياح العاتية ، أعلى الجبل ، أفراخ النسر وليس هناك ملمحٌ لذات الشاعرة .
تنطلق من قلب عود الصليب
الحلو
نحلة ثملة
(باشو)
****
لحظة الهايكو:
الهايكو هو وَعْيٌ بالأشياءِ على حالتِها. يقول لنا باشو " " تعلمْ كيف تستمعُ أثناءَ تحدثِ الأشياء لذاتِها." فالهايكو العظيمُ هو ذلك الذي تكمنُ فيه إيحاءاتُ الواقعِ كما هو بكل جمالياتِه وغرائبِه ،دون تدخلٍ من هذيان العقلِ وتشظي العاطفة. فنصُ الشاعرة يلتقطُ الأشياءَ كما هي في لحظةٍ من الزمن ، وقد نجحت في القبض على هذه اللحظة من العالم الكونيِ ، يثيرُ فينا هذا النصُ الاحساس بالبساطةِ والعمقِ . والمتأملُ في النص يتساءل : هل يمكنُ لأفراخِ النسر أن تقوى وتتحرر أمامَ هذه الرياحِ العاتيةِ ؟ ولم لا، فلولا هذه الريح العاتية لما قويتْ أجنحةُ هذه الأفراخ، فالثوراتُ الكُبرى في تاريخِ العالم هي من تُحدث التغييرَ، وتنتشل الشعوبَ من الركودِ الحضاري.
***
عالمُ الندى
هو عالمُ الندى
ومع ذلك ، ومع ذلك
كوباياشي إيسا
Post A Comment: