ووجدتني أجيب عن هذا السؤال السهل الممتنع بإجابات مختلفة؛ منها على سبيل المثال أنني أحيا كي أحقق النجاح لنفسي، وأسعى لإثبات ذاتي ولتكوين أسرة. لكنني وجدتني أتساءل عن جدوى كل هذا خاصة وأن حياتي في الدنيا مؤقتة. فما قيمة العمل الذي أقوم به إذاً؟! وما قيمة الأسرة التي أكونها؟! وماذا سأزرع في صغاري من أفكار؟! وعلى أي شيء سوف أربيهم؟! وماذا سأترك لهم من بعدي؟! كل هذه أسئلة انهالت عليّ جرّاء إجابتي البسيطة على سؤال كنت أظنه سهل الإجابة!

وهنا فكرت في إجابة أخرى لذات السؤال، وقلت لنفسي أنني أحيا كي أنفع البشرية بما أقدمه من أفكار أو اختراعات.

وليكن هذا!! ولكن ماذا سأستفيد على المستوى الشخصي؟!

ربما يكون المسوغ من هذا الأمر هو تحقيق نوع من السعادة الشخصية، وهو مطلب نفسي إلى حد ما، لكنه شعور سيزول بمجرد انتهاء لحظة السعادة تلك. إذا فما الفائدة الحقيقية؟!

ولا يزال السؤال قائمًا: ما الهدف من هذه الحياة ؟!

وفي رحلة بحثي عن إجابة لهذا السؤال، وجدت أن للنفس مطامع قد تكون هي الدافع للرغبة في الحياة؛ هذه الدوافع منها ما هو سامٍ، ومنها ما هو دنيوي يشمل الشهوات والنزوات. ومهما كانت هذه الرغبات والشهوات فإنه لا حد لها ولا نهاية، ولا مقوّض. وليس هناك قانون يحدد أو يمنع أي رغبة أو هدف أو شهوة أو طموح، باستثناء القوانين العرفية التي يفرضها علينا المجتمع، والتي تعرف بالعادات والتقاليد، بالإضافة إلى الدين والذي يعد قانونًا ربانيًا يمنع أو يحرم أو

يجرّم أي فعل يريد المرء القيام به .

وكان التفكير الأجدى هو ألا أبحث عن سبب الوجود وحسب، ولكن أيضًا عن المسبب والحكمة من هذا الوجود.
هذا ليس لأن الحق هو الخالق وحسب، بل لأنني لا أملك أن أتحكم حتى في نفسي إلا بإرادته، هو الذي خلقني وهو من يعلم أجلى، روحي التي بداخلي لم آتِ بها من تلقاء نفسي، وإنما أنا وجدت ونشأت ثم اكتشفتها، فمن الذي رعاها طوال الوقت قبل اكتشافها؟!

كما أن كل هذه المخلوقات المسخّرة من حولي، وجدتُ أن هناك قوة إلهية هي التي سخرتها لي، فمن هذه الحيوانات ما هو أشد قوة مني، فلماذا لا يقتلني أو يتمرد علي؟! وهذه هي العظمة الإلهية .

فكان من الأولى لي أن أعترف أن سبب الوجود في الكون هو الله، وسبب وجودي هو الله، ولهذا كان لابد أن أعيش لعبادة الله وفيها، وهذا هو المعنى الشافي الوافي والمقنع لقوله تعالى:

(وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون) (الذاريات 56)

ولكن هل العبادة وحدها هي السبب في الخلق هل خلقنا الله لنعبده وفقط إن الملائكة تعبد الله وتسجد له وتسبح بحمده وتقدسه

كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿ 28 ﴾ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿ 29 ﴾ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿ 30 ﴾ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿ 31 ﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿ 32 ﴾ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿ 33 ﴾  (البقرة 28 – 33)

إذن فإن الحكمة من الخلق لم تكن العبودية في حد ذاتها، بل إن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان بالعلم والعقل وأعطاه الحرية في الاختيار بين عبادته أو عدم عبادته وبين الاختيارين تنشأ الحياة ويتم الصراع بين الحق والباطل بين الخطأ والصواب بين الإنسان والشيطان ولكن كل اختيار له نتيجة وعلى كل إنسان أن يتحمل مسئولية اختياره فمن أصاب فلنفسه ومن عمي فعليها وخلق الجنة والنار ، والإنسان في هذه الحياة يصارع من أجل البقاء ولكن هذا البقاء المشروط غير مستديم فالنهاية آتية لا محالة كل هذا في علم الله ومن حكمته التي لا يعلم أحد مداها إلا هو فما زال السؤال مطروحا لماذا هذا الصراع وما الحكمة من أن يخلق خلقا يصارعون من أجل البقاء وفي النهاية الله يعلم مصيرهم ولكن الله جعل مطلق الحرية في الاختيار أن الله لم يشأ أن يخلق ملائكة تعبده مرغمة على عبادته بل خلقا آخر له مطلق الحرية في أن يعبده أو لا يعبده وهذا الخلق له من صفات الله في أن يخلق ويعرف ويعلم ويبدع ويتعرف على أسباب وكيفية الخلق وأسرار الكون المحيط به والأرض التي يعيش عليها له من صفات الله المعرفة والحرية المطلقة والتصرف والتحكم في كل مخلوقات الله التي سخرها له وتحت إرادته كل هذا من حكمة الله .

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿ 34 ﴾ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شيءتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿ 35 ﴾ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴿ 36 ﴾ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿ 37 ﴾

(البقرة 34 – 37 )

إذن فالعقل هو السر الأساسي والحكمة الأولى في الخلق والعلم والعقل والحرية في الاختيار بين أن نعبد الله وأن لا نعبده هو حكمة الخالق في خلق الإنسان ولكن هل استخدم الإنسان عقله في تدبر الوجود لمعرفة الخالق أم إنه استغل عقله فيما يدمر به نفسه ويفسد به الأرض؟ّ !







Share To: