لا أَدْرِي مَنْ أَنَا؟
هَلْ أنا ثمرةٌ فاسدةٌ لِعَاشِقَيْنِ؟
أَمْ أَنا روحٌ منبوذةٌ من الفقرِ؟
أَو هلْ ماتَ والدايَ واسْتَنْفرَنِي الجَمِيعُ؟
كُلَ هَذِه الدوامةِ العنيفةِ تَنْخرُ رَأسِي كُلّ يومٍ عِندمَا أَضَعُه على تلكَ الورقةِ الممزقةِ التِي أَلْتَحِفُها عَلَى رصيفِ الشارعِ ،وأحياناً أَنقلُها تحتَ شجرةٍ تَأوِي بردِي في ذلك المنتزهِ عَلى حينِ غفلةٍ مِن حَارِسِه، ليَرْفُسَني ككرةِ لحمٍ عَفِنَةٍ لكلبِ الشارعِ المفترسِ صباحاً.
الشارعُ هو أبي ،والمعاناةُ هي أمي،إخوتي هُمُ التَشَردُ والنبذُ والتنمرُ ،أُسرتِي هزيلةٌ كَمَا حالي ،أطفالٌ فِي عمرِ نَوَارِ الزهورِ ،ذَبُلَتْ دونَ آوانِ سَقْيها ،قُتِلتْ دونَ أنْ تَحيَا في الأصلِ ،تَلمُ شَمْلَنا أزِقةٌ نهربُ إليها حِينَ تُلاحِقُنا الأيادِي الخانقةُ .
بَيْن الحينِ والآخرِ تتلمسني يَدُ الشفقةِ، تَأتي سيارةٌ فخمةٌ ربما لمْ أحلمْ بها حتى في أقصى أحلامي سعادةً تَقِلُ إمرأةً حنوناً ،ورجلاً رؤوفاً، يدنوانِ عَلى بساطِي الممزقِ ،يَحْمِلانَنَي دونَ إرادةٍ مِني ،يَدْلُفانِ بي إلى بيتِهما الصغيرِ المعتمِ، الذي أراه قصراً، يَظُنانِ أَنني مصباحٌ سَيُنيرٌ ظلمةَ وحدتِهما ،لكنهما لا يعلمانِ أنْ فاقدانِ للشئ ذاتُهُ لايمكنهما العيشُ معاً ،فكلانا فاقدٌ للأمانِ .
فَهَلْ يَنْسَلِخُ المرءُ مِنْ جلدِه ؟!
أنَا وَلِيدُ رَكَلاتِ المَارَةِ، وصَغِيرٌ قبيحٌ عِندَ رَبِّ عَمَلي ،وسفيرُ الطفولةِ المشردةِ، أنا وصمةُ عارٍ حَتَى لَو كَانَتْ عَيْنايَ تَدْمَعُ براءةً،لا أمانَ لي خَارِجَ بيتيَ العارِي ذاكَ ،كُتِبَ لي أنْ أَسْتقِفَ الألمَ ،وألتحفَ الجروحَ،وأَكابدَ ظلمَ المجتمعِ،وأنْ آكُلَ طبقاً مِنْ الذلِ كلّ وجبةٍ.


Post A Comment: