لم يتبق لها إلا النافذة، وقضبانها الحديديه التي يتسلل منها بعض الضوء الخافت، في وقت محدد من صباح اليوم .فهو أحد الأسباب التي تربطها بالحياه ....... هي امرأة عجوز طاعنة في السن، توفي زوجها منذ فتره طويلة، ولحق به إبنها أيضا بعد فترة قصيرة،، عند إبنها أحفاد، عرضوا عليها أن تقيم معهم، ولكنها رفضت، وظلت في بيتها وبيت زوجها لتجتر ماضيها وتستعيد حياتها الماضية مع زوجها وابنها حتى اختلط عليها الخيال بالواقع وقالت لهم :إذا خرجت من هنا سوف أموت على الفور اتركوني مع زوجي وابني، وكأنها لم تعترف بموتهم... أكثر وقتها تقضيه خلف النافذه تسمع صوت المارة و البائعين ، ففى ذلك شريان يصلها بالدنيا و أحد الأبواب التى مازالت مفتوحة على الحياة. ولكي تتأكد أنها مازالت تعيش فهى على تلك الحالة من عشرات السنين شبه وحيدة، وكأنها في زنزانة سجن انفرادي إلا من أوهامها ووساوسها القاتله و بعض الساعات التي يأتي فيها بعض أحفادها.. كانت تشترى أشياء من البائعين الجائلين ليست في حاجه إليها ، ولكن الوحده قاتله وتستولي عليها فتهرب منها بشراء أشياء كثيرة لمجرد الحديث معهم وتحاول تخفيض السعر ليس بخلا ولا توفيرا للنقود، ولكن لتستمر عملية الشراء لفترة أطول من الوقت ..... تهرب الي من يمر فى الشارع من أطفال تسئلهم "كم الساعه؟" ، وتسئلهم عن أسماء آبائهم، وأمهاتهم ليس من باب التطفل؟؟ ولكن من أجل التأكد أنها موجوده وما زالت تتنفس بعد أن تضع يدها على صدرها وتراقبها تعلو وتهبط أثناء الزفير والشهيق!! أسعد أوقاتها وقت الضجيج والصخب وعندما يتشاجر الجيران أو تكون هناك مناسبة سعيدة من زفاف أو ما شابه ذلك.... فهى فرصه لتجمع كثير من الناس من كل الأعمار و من الأغراب ممن يحاولون فض المشكلة والتوسط من أجل الحل، وفرصه لتسأل الحاضرين عن أقاربهم وأولادهم، تتمني أن لا يفض وينتهي هذا الشجار أو الحدث السعيد حبذا لو كان عرس، وهي ممسكه بحديد النافذة العتيق القديم التي هي تنافسه في القدم والصدأ.... أتعس أوقاتها عندما يخلوا الشارع من الأطفال والعابرين وكأن الموت متربص بها، كانت تكلم نفسها لكي تطرده بعيدا عنها و من أجل هزيمته والانتصار عليه فهى تراه يحاصرها، تبعده بصوتها القديم المبحوح المسلوخ الخافت المتقطع فكانت تنطق الكلمة الواحدة على مقطعين أو ثلاثة، كانت تخشى السكوت، أو حتي النوم أو تدخل في نوبة غياب عن واقع الحياه كي لا تتوقف أنفاسها ، ولكن الموت أنتصر في نوبة من تلك النوبات..
Post A Comment: