في ذلك الصباح استيقظ
 سكان حي السلاطين على باب منزل السيد عمر يفتح لأول مرة بعد حوالي ربع قرن من الإغلاق، الذين يتذكرون متى كان هذا الباب مفتوحا قليلون جدا .
أمام الباب كان هناك رجل يضع أخر لمسات على الباب ، لكي يفتح ويغلق بسهولة ، لا أحد يعرف هذا الرجل . 
طويل القامة  متجهم الوجه يغطي شارب كث شفته العليا . 
 تجمهر الأطفال حوله يجمعون قطع المسامير والحديد التي تسقط من الباب نتيجة التلحيم والتقطيع ، لم ينهرهم الرجل رغم ضجيجهم الكثير . 
أحدهم تمتد يده إلى  مطرقة ليدق بها مسمار في الحائط ،  يلتفت الرجل بحثا عن المطرقة ، لم يجدها قلب صفائح الزنك  بيده وركلا برجله ، لا أثر للمطرقة ، يأتيه صوت أحد الأطفال  «عمي ..عمي ..هناك » مشيرا نحو الصبي الذي أخذ المطرقة 
يتجه نحو الصبي بسرعة ، امرأة تضع كفها على فمها ، وتغمض عينيها  منتظرة صرخة طفل ، لكن الرجل رغم ضخامته يأخذ منه المطرقة دون أن يوبخه . 
الناس ينظرون إليه نظرة استغراب ..
في المساء أنهى عمله على الباب ، ونزع ملابسه المغربلة بشرارات النار . ثم جمع أدواته في حقيبة ، ودخل منزله . 
فيما بعد سيعلم الناس أنه استأجر منزل السيد عمر ليسكن فيه ، ولكن لا أحد علم من أين جاء ؟ وماذا يعمل وما هي الأسرار التي يخبئها هذا الرجل وراء ذلك الصمت المميت .
على مدى السنوات الماضية ، قبل أن يحل الرجل الغريب بالحي نمت التجارة وازدهر الحي ، إلى درجة أن كل ما يخطر ببالك يباع في حي السلاطين . 
عربات الخضر متسلسلة هناك على طول الحي ، وكل عربة معروفة بنوع الخضر الذي يباع فيها
في الجهة الأخرى ، كانت دكاكين المواد الغذائية تفوح منها روائح التوابل والزيتون . وفي نهاية الحي قبل أن تصل إلى تلك العرصة التي يجتمع فيها السكارى والمنبوذون توجد مجازر بزليج أحمر تباع فيها كل أنواع اللحوم . 
في كل مساء من يوم الأحد يخرج الرجل الغريب من منزله ليتبضع ، يتأبط كيسا بلاستيكيا ويعتمر طاقية حمراء وجلبابا أبيض وبلغة صفراء ، يقف أمام عربة الخضر ويتبضع دون أن يتحدث مع صاحب العربة ، ثم ينتقل نحو عربة أخرى فيشتري رزمة نعناع ، ويدفع أكثر من ثمنها ، لا شك أنه رق لحال تلك المرأة العجوز التي تبيع النعناع ، ثم يختم جولته وسط العربات المركونة عند بائعة الخبز ويأخذ خبزتين أو أكثر ، ثم يعود إلى منزله . 
الرجل كثرت حوله الأقاويل والأحاديث. 
هناك من يقول أنه  طرد من أوروبا بسبب شجار افتعله في إحدى الحانات رفقة سكارى مغاربة ، قبل أن يسوي وضعيته القانونية...
وهناك من يقول أنه أتى إلى حي السلاطين بحثا عن الهدوء ، بعد ما قرر ترك ثروته ومقاولته المتخصصة في البناء ، وسمح في زوجته وأبنائه . ترك كل شيء وأتى إلى هذا المكان. بعض كبار السن الذين يروون هذه الأخبار لا دليل عندهم على صحتها ، فقط حدسهم  وخبرتهم في تضخيم مثل هذه الأمور المروية . لأنه لا أحد استطاع يوما أن يتحدث مع الرجل حول حياته قبل قدومه إلى حي السلاطين . 

في الليل وحين تنطفئ الأنوار في كل منازل الحي ، تبقى نافذة  غرفته مفتوحة لتكشف عن ذلك المصباح المعلق في السقف تحوم حوله الفراشات والناموس ،خاصة وأن  والوقت كان أواخر شهر أذار . 
قد يمر أسبوع كامل دون أن يفتح باب منزله ، حتى صار هذا الأمر سلوكا معتادا ولا يستغربه أحد ، فهو يظل حبيس منزله المكون من ثلاث غرف في الطابق الثاني ، يرسم لوحاته التشكيلية حول حي السلاطين ، وكل شخص رأه الرجل الغريب في الحي يرسمه في تلك الوضعية التي رأه فيها . 
وكل اللوحات مرتبة بشكل متناسق في إحدى غرف منزله ، إلا لوحة واحدة تجسد فتاة تنظر خلف شباك نافذة حزمت رأسها بسبنية الحرير ، تواجهك اللوحة حينما تصعد الدرج المؤدي إلى منزله ، وفي كل مرة حينما يهيم بالخروج يمسحها ويبحلق فيها طويلا ثم يمضي ، وحينما يعود يمسح اللوحة مرة أخرة ثم يبحلق فيها طويلا قبل أن يقطع ردهة البهو نحو مرسمه ليقضي ليلته في الرسم . 
الغريب أن هذه الفتاة التي رسمت 
 لا وجود لها في الحي ، ولا أحد يعرفها ، وكل النوافذ المقابلة لمنزل ذلك الغريب ، لا تطل منها أي فتاة تشبه تلك التي رسمت في اللوحة    ، من تكون ؟ لا أحد يعرف . 
في أحد ليالي فصل الصيف سمع الذين لم يستسلمو للنوم بعد صرخة تبعها طلق ناري ، ثم انطفأ الضوء في منزل الغريب . في الصباح جمع حقيبته ثم رحل تاركا وراءه الباب مفتوحا وقال لبعض الذين صدفهم في الحي لحظة رحيله « لقد أتيت إلى حي السلاطين لكي أقتلها وقد فعلت ذلك » تزاحم الناس حول باب منزله ، وأول الذين تمكنو من الدخول  إلى المنزل ، وجدو صورة  الفتاة الحسناء قد اخترقتها الرصاصة في جبهتها.
أتى إلى حي السلاطين غريبا ، ورحل غريبا بعد أن ترك بيننا جثة هامدة ، ماذا سنفعل بباقي اللوحات يتساءل أحد المتجمهرين ، يجيبه أحدهم سنقتل باقي اللوحات . 
ثم قتل كل شخص لوحته . 
وقبل أن تغرب شمس ذلك اليوم ماتت كل اللوحات .






Share To: