تقول لي :
لما سكلتني في هذا
لما جعلتني بطلا من الألام
أين هي تلك الألوان, و تلك الأحلام
تقديرا على هذا الوضع الذي أقحمتني فيه
أقولها لك
أكرهك.
أكرهك
أكرهك 
محالا , الآن أن أحبك يا أيها الكاتب أنت تثير سوى الجدل و لا شيء  غير ذلك .

........................................................

يأخدونك خزنتها بعد الرحلة الأولى بعد نهاية حياتك إليها ....
مسافرون بتذاكر من درجة سيدي أعمال من الطراز الرفيع
حجز ،مضمون راقيا جدا ، تتسلل من بين الجموع تنظر إلى ساعتك ,متسائلا في هذا الطابور العظيم المليء بشتى أشكال و جنسيات  الناس الذين ينتظرون مثلك ،هناك من تعرفهم ،و هنالك من لا ،أشكالهم غريبة جدا ، لباسهم غريب من مختلف العصور و الأحقاب و الأزمنة و كأنهم آتوا من عصور مختلفة ، متجمعون على الطرقات ،ينتظرون بروز الطائرات ،بينما طائرات تقلع و أخرى تحط على الميناء الجوي ، طائرات ضخمة جدا تحتوي الملايين ,  ينزل منها أفواجا أخرى تكتظ المساحات فيضيق المكان  تشعر بالغثيان و بحاجة لإخراج آخر شيء قاسي جدا و أنت وجهك كظيم. 
وجبة عشاء من معدتك ،  تشعر بالرغبة في الهروب لكن إلى أين , هنا لا مفر و لا هروب. 
قف في مكانك , أنا من يقرر ذلك , أنا الكاتب , ما أنت إلا شخصية ورقية وهمية , يحلو لي ما اشاء أنا , أنت لا .
 
تنتظر و وجهك يصبح أصفر تختنق , فكثرة الأشخاص يقلل من الأوكسجين  هناك ، مع حرارة المكان ، تضيق الحريات  ،تتوه في تلك المنعرجات   . تطوف مضيفة طيران بملابس حمراء ، لتقدم مشروبات  غازية في كؤوس من نار و ماء مهل في قنينات زجاجية , ماء يشوي الوجوه  بدون محالة ,مع قطعة من كعك الزقوم  ،  تمر من قربك مضيفة الطيران مبتسمة  و تسألك بلطف :
سيدي ، عفوا ، هل تحتاج للمساعدة ، هل تريد عصيرا لقصب السكر الساخن 
تبتسم لك  و بعينيها تغمزك .
لا تدرك ماذا أرادت ، فأنت اليوم مشغول  ,تنظر  مرة أخرى لساعتك و أنت قلق ، و ترمق الساعة الكبيرة على حائط المطار ، تحاول ظبط ساعتك عليها ، لكنك تزداد قلقا ، فالساعة هنا لا تشبه الساعات و الزمن لا يشبه زماننا نحن , كل شيء مختلف جدا   و لا أحد يعرف تماما كم هي الساعة الآن ، 
نعم صدقني ، كل شيء مختلف تماما هنا ، مختلف  ، مكتظ  ، ساق بساق و قدم على قدم ...
و أنت هناك ، ما بين عيون تنظر و أخرى ،ناظرة ناضرة  ، تشتهي فنجان من القهوة الساخنة مع قطعة من المعجنات الممزوجة بالشكولاته اللذيذة  ( الكرواصة ) تشتهي أشياءا جميلة  ، و تتذكر ماريا كراسيا ، التي كانت يوم تشرب قهوة الصبح معك في الكاتينا ، هنالك ببلدتك الصغيرة عند أول كل صبح . تحاول البحث عن هاتفك النقال في سترة معطفك ، لكي تهاتفها ، و بالكاد تخرج الهاتف ، و تمر مضيفة الطيران ، تهمس لك  بصوت رخيم مشيرة بأناملها الطويلة جدا ....
الهاتف ممنوع هنا ، ستشوش على ردار الطائرات .
تمثتل للأمر ، صامتا  ...
تصمت .
تتساءل ، ربي أين أنا ،و ماهذا المكان الغريب ، هنا ؟!!!
أقوام من مختلف الجنسيات و الألوان و العصور ، كل قوم على حدى في أماكن متفرقة ، هنا و أنت تتفحص بعينيك كل شيء ،يمر عليك أناس تعرفهم النار تتأجج
تبتسم
تغيظ
تقتلع اللحم و الجلد و تكسر العظام و هي حية , هنا فقط ألم صداع  أنين , عذاب وجع و ما أقساه من وجع مكلوم ...
تستدرك نفسك قليلا و تمر على قوم تعرفهم و لا يعرفونك بزي عسكري يتكلمون اللغة الألمانية و في أيديهم أسلحة نارية ، على رأسهم شخص عسكري معروف جدا ،فعلا تعرفه ،هو هتلر ، وجوههم مسودة ،كتب على جبينهم مجرمي حرب  ، يتجادلون فيما بينهم ،يتساؤلون عن من قام بقتل الملايين في الحرب لعالمية التانية و من شرد و أعدم بدون إحساس نساء و أطفال و شيوخ و عجزة , هتلر يطلب منهم الولاء , هم من فزعهم يبتعدون منه ....متدمرين
لا ولاء لهتلر , لا ولاء للنازية و نحن في النار الولاء لله وحده .
تدعهم في لغيهم يتجادلون ،و تمر عينك لتتفحص قوم آخرين تعرفهم كذلك بزيهم العسكري الروسي  على فرسهم كذلك يتجادلون هناك لنين و ألكسندر نيفسكي  ميخائيل كوتوزوف و ستالين ، قوم قتلة  جبارين عاتيين و هم أكيد في الدرك الأسفل من النار .
و أنت  بزيك الرسمي لرجال الأعمال ،و لقتل الوقت ،تتقدم ماشيا بين الأقوام و الناس ،حتى تصل لأقوام أخرى من عصور أخرى تعرفهم بسيماههم ،قوم يتكلمون اللغة الإيطالية ،قوم مختلطبن بين جنود عسكريين يتحاورون يتجادلون معه تعلوا أصواتهم كظما و غضبا  مع قائدهم بزي رسمي عسكري و أنت أكيد قد عرفته إنهبينيتو موسوليني كل واحد يلوم الاخر...يظهر السخط على الكل  ...
تدعهم في جدلهم و في سخطهم عليه ماشيا بين أقوام أخرى ,  مختلفي القوميات ،بلباسهم الأحمر و بلباس روماني , نعم بلا شك قد عرفتهم يا صديقي هم الرومان و على رأسهم الإمبراطورات الأربع قيصر سيسر ، نيرون الشرير السفاك للدماء ، و سيرفيوس سولبيشوس ، تيتوس  و غيرهم من القتلة ، مجرمين مشفقين على أرواحهم بينهم يتحاورون على من كان المسؤول في ذاك الظلم ....ظلم أقوام كثيرة من أجل المال و الثروة و الغنى الفاحش , لقد دهب كل شيء يا سيسر و بقي الظلم هنا ستصلي نارا عليها ملائكة شداد , كلما حاولت يا سيسر الخروج منها أعادوك إليها 

تبتسم و تعود مارا من هناك على أقوام أثينا و الإغريقي ، و الأسباط و قوم لوط و قوم عاد أكيد قد لمحت قصصهم و قد تذكرتهم من قصص الكتب السماوية ، و أنت مار ، هنالك ، تجد خدم و حشم و عروش تستوي على نار بقربها  فراعنة يعرضون على النار بالصبح و بالعشية ، من بعض الفراعنة هنالك فرعون  زيركسيس الأول  توت عنخ آمون إخناتون و  كليوباترا 
تبتسم بخبث  مسافرا على وديان نار تلتهب ترى فيها الشياطيين بالأصفاد غلى الأذقان و جحيم متذفق من السحرة و الجن في درك أسفل منها 
يشدك الخوف و أنت ترى عقارب من النار تلذغ أقوام يأجوج و مأجوج , صياح رهيب مخلوط بدماء مسفوكة سوداء , و كتب على رماد و نار و فحم أسود ودخان متطاير تفتحها ملائكة شداد , تدرك بأنه عذاب أليم .... تتطاير طيور غريبة من نار حتى طائر الفينق يأخد بنواصي ناس من ثلة من الأخرين يرمون بها إلى قعر وادي النار بدون شفقة و لا رحمة هو العذاب يتاجج , تلك النار تلتهم ما قد كتب في الصحف و تأخد أقوام بالنواصي و بالأقدام إلى نار سوداء وقودها ناس و حجارة 

نعم يا صديقي ثلة من الأولين و الكثير من الأخرين ينتظرون الدور
نظرت لي و سألتني لما كتبتك في قصة من  الجحيم , لمتني و عذلتني , إنزعجت مني و من فكرتي و أسلوبي و من فلسفتي , 
قلت لي لقد ظلمتني , لما لم تجعلني بطلا من قصص الحب  الجميلة الراقية , لما يا أيها الكاتب رميتني في قصص من قصص الجحيم  .
نعم يا صديقي , اليوم لم ـأكن معك رحيما , لقد جعلتك بطلا تراديجيا من قصة قد تكون واقعة في الغيب , أو قد تكن قصة من الحلم و من تلك الكوابيس الليلية المزعجة , أنا آسف لكنني أردت أن أرى بطلي اليوم كيف سيتصرف في هاته القصة, هذا لربما حب أناني من طرف كاتب متمرس , كاتب يريد الإيذاء لابطاله , أو نرجسية , فالكاتب يملك كل الخيوط ليحرك كل أبطاله كما يهوى و كما يشاء .... 
و إبتسمت لك
بكيت....و صمت ...
 تنظر لساعتك و إلى ذاك الوادي الذي تتفجر ناره , سواط عذاب صياح الم و نار حارقة تشوي الوجوه...
قلت لي :
أنت كاتب متمرد جبار , كاتب أناني جدا ،  لا يملك درة  قلب , كاتب مجنون معتوه ،  أنت يا أيها الكاتب كالنار تحرق  الحي و الهشيم لا تميز ابدا من يهواك و يحبك و يقدسك , و لا تحب أحدا 

لا أحبك بتاثا  يا أيها الكاتب , لا أحب ما كتبته , أقحمتني في  عالم الجحيم .







Share To: