‏كثيرون هم اللاجئين في هذا العالم، تتعددت هوياتهم، مشاكلهم، قصصهم. وفي هذا التقرير، سأتحدث عن هجرة بعض اليمنيين للصومال، تحديدا في عام ٢٠١٥، سنة النكبة المشؤومة لهم. 
 ‏وسنتحذث عن فتاة يمنية، عاشت هي وعائلتها الهجرة للصومال. هذه الفتاة التي عاشت طفولتها تحت جناح أمها مذ عمر الأشهر؛ حرمت من حنان والدها، ومن شعور الأمان، وهي نموذج من عدة نماذج.. 
 ‏بلغت الخامسة عشر، واختارت هي وعائلتها الصغيرة اللجوء لمدينة بوصاصو في الصومال، هربا من الأوضاع المأساوية التي عاشتها بلادها. 

في حديث للفتاة، قالت: لم تمنعنا ظروف الحياة الصعبة، ولا العنصرية التي وجهت لنا بعد لجوئنا للصومال، من البحث عن حياة كريمة آمنة، في الغربة. 
حرمنا في الصومال من حقوقنا الإنسانية، السياسية، المدنية؛ لم نتفاجأ في بادىء الأمر، لأننا عشنا هذا الحرمان لسنوات طويلة في بلادنا الأم، اليمن. 
روضتنا الحرب لعيش الأكثر من هذا! 
ولأننا عُذبنا بشكل غير معهود في الصومال، قررنا العودة لأرض الوطن مجددا، آملين، طامحين، في حياة تتوفر فيها مقوماتها، لم نتأمل الكثير. 


هنا، قاطعت انصاتي بسؤال:
 أين يذهب اليمنين في هكذا حال؟
 توقفت برهة، نظرت لكل شيء إلا عينيها، وفكرت.. 
 ‏الواقع أجاب بدلا منها: الغربة! 

بادلتها بسؤال خفيف الحدة، بديهي: لماذا الصومال تحديدا؟ 
قالت: سمعنا كما نقول بالعامية "طرطشات كلام" عن تكرم الصومال مع اللاجئين اليمنين، فهرعنا بلا أية تفكير مطول إلى المكلا، وثم إلى الصومال؛ كان الأمل كبير بها، حتى خضنا تجربة العيش فيها.. 
ذهبنا لأديس أبابا عاصمة أثيوبيا أولا، وكنا بلا جوازات سفر، لاجئين تماما. وخلال رحلة وصولنا لها، وصانا الكثير: ألا نعلن عن هويتنا اليمنية. وبالفعل هذا ما حدث؛ حاولنا تحدث الصومالية، التي تعلمنا القليل منها مسبقا، آملين أن يعطونا الجوازات الصومالية، كبقية الدول. 
ذهبنا بعدها للجوازات، طلبنا - بالصومالية- جواز سفر صومالي، سألنا الرجل عن هويتنا، اسمنا، قصتنا.. 
توجب علينا ألا نجيب بشفافية مطلقة، وألا نذكر اسم عائلتنا إن كنا نطمح لجوازات السفر الصومالية؛ فذكرت له أننا صوماليين من مواليد اليمن، وحاولت تقمص الدور. لكنني كنت صغيرة، ولم استطع تقمص باقي الدور، فزل لساني عند بقية الجواب، وذكرت اسم عائلتي اليمنية.. 
نظر لي الرجل متفحصا للون بشرتي، ملامحي، وتركنا بصمت، ذاهبا لمديره. 
لحظات حتى عاد، نادانا مديره، استقبلنا بالصراخ، والذل، وقال: بأي حق تطالبون بجواز سفر صومالي وأنتم يمنيين! هذه خدعة لن تمر، وحقوقكم عندنا هي اعطاؤكم اللجوء فقط. هددنا بالشرطة؛ فغادرنا!

حاولنا الصبر، لكن الحر كان أثقل من صبرنا؛ فقررنا السفر لمدينة أخرى. 
قرضو، مدينك باردة، ومريحة أكثر لنا، بحثنا عن سكن جامعي ننزل فيه، لكن تكدس اللاجئين اليمنيين فيها كان خانقا؛ حتى وجدنا بيتا بإيجار ١٢٠ دولار في الشهر، والكهرباء كانت ب ٢٠٠ دولار. لم نستأجره لتكلفته، وقررنا العودة لمقديشو. حجزنا التذاكر ب١٢٠ دولار للفرد، وتحدد السفر بعد يوم الحجز باسبوع. وفي اليوم التالي، حدث انفجار دوي في فندق يسكنه اليمنيين في مقديشو، انتابنا الرعب، والغينا فكرة السفر تماما، وقررنا البقاء في قرضو. 
لكن سكان هذه المدينة، يختلفون تمام الإختلاف عنا، وكان توفير أبسط الأشياء مثل: انبوبة غاز أو موقد له مستيحلا. كانوا يستخدمون الفحم للطباخة، وهذا مالم نعتد عليه. 

كنت صغيرة، لا ارتدي العباءة، واعتدت على هذا في اليمن، لكنني واجهت مضايقات ليست بقليلة من المتشددين هناك. وعندما كنا نسير في شوارعها، كانت تلقى علينا ألفاظ ومصطلحات عنصرية، مثل: أبو يمن، يا بيض البشرة.. إلخ. 
تحتم علينا بعد صبرنا وتعبنا الطويل العودة بأدراجنا لليمن مجددا، وكانت تجربتنا هذه حاضرة أمام عينينا بشكل مستمر، حفزتنا على تغيير مسار حياتنا، والنهوض بانفسنا. 
فتحت والدتي بيتنا ككوافير نسائي للشعر سنة ٢٠١٥، وتعلمت أنا التصوير باستخدام الجوال، حتى توظفت في معمل تصوير مذ ٢٠١٧.
تخصصت بعدها اكاديميا في الإعلام، أختي في الطب، وحفزنا بعضنا لشكل مستمر لعيش حياة كريمة مهما صعب الأمر. 


 قالت الفتاة أخيرا: لا بلاد ستعزك غير وطنك، مهما أخذتك طرق السفر، ومهما حلمت، لذا يتحتم علينا كيمنيين العودة لوطننا الخرب، وإعادة بناءه من جديد، لنحيا كلنا بشكل كريم.






Share To: