كلمة « مثقف» متداولة كثيرا بين عامة الناس 
وخاصة بين أولئك الذين تلقوا تعليما كافيا
فما الثقافة إذن...؟!
إن مفهوم الثقافة السائد والراسخ في أذهان غالبية الناس
هو أن يكون المثقف مكتظا بكم معرفي هائل
ويكون دماغه مترع بنهر من المعلومات التي لا حصر لها
وتجده « المثقف» يتحدث في كل شيء ومُلما بكل الأحداث في مختلف العصور
هذا باختصار هو الفهم « الضيّق» للمفهوم
وهو فهم ظل يحاكي القدماء وافيا بذلك لمدرستهم ومخلصا لمعاييرهم
مما قلص الأذهان عن الفهم وخرّب أركانه
وبناء عليه، تم تصنيف الكثير في زاوية الغباء...
لأننا أردنا أن نحاكي زمانا غير زماننا 
وأن نتبع معايير تلائم عصرنا
فكل شيء يتطور ويسير بسرعة الضوء
ما عدا الإنسان 
يسير سير النمل
ويريد أن يصل قبل الضوء
ببساطة.. لأن الفهم التقليدي للثقافة تجاوزه قطار الزمان وقطع دبره عصر «الأنترنيت»
اليوم يكفي فقط منك ضغطة زر واحدة على هاتفك أو حاسوبك...والولوج للشيخ « غوغل» فإذا به يصدمك بالمعارف ويتغول عليك بسرد ما لا نهاية من المعلومات
ولن يتوقف عن التقيؤ عليك ما لم توقفه
وإن كتت من أصحاب هذا الطرح
أي تبنيك للمفهوم الثقافي السائد والمستهلك والقديم
فلا ريب أن العلامة « غوغل» أفضل منك في هذه المهمة
وطبعا سيهزمك شر الهزيمة
أليست تلك وظيفته التي برمج لها ولا يعرف غيرها
أما فهمنا للثقافة هو فهم العصر
عصرنا نحن
هو انخراط إرادي في صنع الثقافة بدل استهلاكها
ومحاولة منا لمحاربة جهلنا وتخلفنا وتكاسلنا وتقاعسنا
والخروج من سياسة الانهزام التي غرسوها فينا
ليس المثقف هو الذي يتحدث بلغة أجنبية، أو يقرأ كتابا فيستظهره علينا دون نقد ولا فهم ولا غربلة
القراءة عليها أن تشكل وعيا وفهما وإدراكا لنا وأن نخرح من بعد كل قراءة بتصور جديد ووعي أعمق
المثقف هو الذي يمارس معرفته وتجربته وأفكاره وآراءه على أرض الواقع وليس استظهارها في اللقاءات والنداوات
المثقف هو مصلح اجتماعي يسعى لإخراج أمته من التخلف ويدرس أسباب هذا التخلف وعلل التقدم
المثقف هو أن يكون مبدعا وله إسهامات إبداعية، فكرية، إنسانية، ووعيا سياسيا
فكل شواهدك الجامعية وثرواتك المعرفية ومناصبك النظامية وموسوعتك الهرمية لن تجعل منك مثقفا
فيم سينفعك هذا الكم المعرفي وأنت لا دور لك في مجتمعك وما تدعيه أنه معرفة يبقى مسجونا في قارورة جهلك
شغلك الشاغل أن تعرف
الحرب العالمية الثانية وأسبابها
وتحفظ «بُردة» البوصيري
وتعرف تاريخ وفاة معتمد بن عباد
وتعرف أسماء السفسطائيين 
أنت هنا خزّان معلوماتي ونسخة مصغرة من غوغل
وبالتالي حصل معك ما حصل مع ذاك الرجل الذي قيل حفظ كتاب « البخاري» 
فقالوا « وما أتى بشيء جديد، نسخة جديدة أضيفت للخزانة»






Share To: