بدءا من العنوان هي أحلام لم تتحقق وخلفتها النار رمادا ، تجسيد لمعاناة وتنهدات ومواكب من الألم فجرها الخفاجي شعرا .
وقعت المجموعة في ١١٠ صفحة وضمت ٥٧ قصيدة وطبعت بدار الفرات بابل وضمت قصائد وطنية كان أغلبها حول ثورة تشرين مع قصائد عربية وقصائد غزل ورثاء وفخر وتعددت موسيقى القصائد فيها في عدة بحور الرمل والكامل والوافر والرجز والمتقارب وهي دلالة على أذن موسيقية جيدة .
غلاف المجموعة من رؤيتنا اقتصر على ثورة تشرين مع أن هناك الكثير من القصائد لا تخص الثورة كما ذكرنا سابقا .
أظهر الشاعر حسا وطنيا عاليا ودعا إلى وطن خالٍ من المفسدين فقال
لا لن أنام وقيدهم في معصمي
وأنا الجسور بحجتي ويقيني
وسأرفع الأصوات فوق رؤوسهم
وسأرفع الرايات فوق عريني
ولي العراق ومجده وله دمي
ولماء دجلة ما أنا بضنين
إن عملية التفاوت بين الشعراء أمرٌ طبيعي وللغاية وقد يعود ترجيح كفة شاعر على آخر إلى تمكن أحدهم من الأدوات الشعرية وافتقار الاخر لها لأن الموهبة عند الشاعرين وهذا يُحدث فارقا بينهم .
الخفاجي رسم صوره الشعرية من خلال الطبيعة ومفرداتها وابتعد عن نظرية الفن للفن تلك النظرية التي يلعب فيها الخيال دورا فاعلا في صنع الجمال وقد وظف بعض الأفعال بطريقة جميلة فتطابقت مع دلالاتها ولكنه في أحيان لم يفلح بذلك والسبب يعود في ذلك لصعوبة ما واجه من العروض ولتقوقع الذاكرة في الموسيقى الشعرية فحسب ..
وقَسَمنا يوم هاجت عبرةٌ .....
وأصل الفعل أقسمنا ومفرده أقسم وليس قَسم والجمع أقسموا ولو تمعن قليلا وبدل المفردة وقال وحَلَفنا
وحلفنا إذا هاجت عبرة لكان أفضل ....
هناك عدة منظومات تساعد على قوة القصيدة مثل وحدة الموضوع والقصد من القصيدة والصورة الشعرية وكل هذا يتحقق من خلال الفضاء الشعري الممتد إلى ما لا نهاية لأن وظيفة الشاعر الخلق والابتكار فعلمية الخلق هي سر ديمومية الشعر ولهذا تفوق الشعر على الأجناس الأدبية الأخرى .
وعلى الشاعر الحذق نزع القيود عن كاهله لأن صوت الشعر سالكٌ طريق التمرد ولا يقف عند قيد أو حد .
والقصيده المركزة تعني الخوض في الفضاءات الشعرية الممتدة إلى بعيد مع اختزال المجال الصوري من خلال تكثيف اللغة وتركيز المفردة حتى تخترق وجدان المتلقي .
أحلام الليل تباغتني
لتشيع ملف الأسرار
وبقاء الهم يعذبني
ما بين سكوتي وهذاري
يكفيني العزف على وتر
ألحانٌ تلهب كالنار
كيف باغتته أحلام الليل وكشفت ملف الأسرار والذكريات مع تصوير الهم المعذب ثم الصمت والهذار والعزف على وتر يبعث ألحانا كأنها من نار ... تناسق جميل بالمفردات من خلال سهولة اللفظ ...
إن فن الشعر من دون منازع هو أصعب فنون الأدب لأن عملية الإبداع يجب أن تخترق الوجدان وعملية الإبداع مقرونة وملازمة للشعر منذ أقدم العصور فإذا لم يظهر الإبداع جليا ليستشهد به فلا شعر حقيقي وعملية الشعر اشبه بهندسة معمارية تبهر من يراها ويقف عليها متمعنا بالجمال.....
الانفعال الذي عاشه الشاعر وهو يصف ثوار تشرين قد نتج من قوة ضاربة مصدرها العاطفة فقد وصف ثوار تشرين في قصيدة ساحة التحرير
وتجمعوا وتعاهدوا ما بينهم
هيهات يبقى في العراق ذليلُ
فتظاهروا حشدا بهيا حازما
أفواجهم للناظرين سيولُ
وتقدموا والعزم في أقدامهم
لم يبق ذيلٌ تابعٌ و عميلُ
هذا الصخب الشعري نتج من حقائق حدثت على الساحة العراقية وهنا جاء دور الشاعر ليكون لسان حال الشعب بعد شعوره بالوجع الحاد وبهذا كان الشاعر ملازما لبيئته ويحمل معاناة شعبٍ جسدها شعرا وهذا ما يحسب له ...
اللغة الشعرية كانت سلسلة مرنة خالية من الفلسفة والتأويل وهذا يوافق كافة الطبقات الاجتماعية ...
لقد عانى الخفاجي بعد ما حلق في فضاءات بعيدة المدى متسلحا بكل مالديه من أحاسيس وانفعالات حادة وذلك لإظهار وإثبات معاناة الذات الشاعرة وما يحسب له أنه أبتعد عن لغة الأنا رغم أنها غير مرفوضة على الإطلاق ولكنها في أحيان تقوقع الشاعر في مساحات محددة ...
أدعو الخفاجي إلى تحقيق الانفتاح الشعري من خلال تحرير الذات الشاعرة من دون تكلف وقد يتحقق ذلك بالجد والمثابرة كما أدعوه أن لا يلتفت للعروض الشعري على الإطلاق ويمكنه فيما بعد العودة للقصيدة فكل شاعر ناقد لنفسه وذلك أمر جميل ..
ونحن مع الشاعر الذي يؤمن بأن لحظة ولادة النص هي أعلى درجات الصدق ولكن هذا لا يدعو للسرعة لأن الابداع يتولد منذ نشأة الفكرة والرصانة تأتي بالتأني وأبارك له وإلى مزيد من التألق والتفوق.
Post A Comment: