كثيرون أولئك الذين يتحدثون عن منظومة الحق، ويتبجحون بها دون إستيعاب البعد النسقي للحق و دون ربط هذا الأخير بماهيته الأخلاقية، و لا حتى بمنظومة الواجب القيمية و لا حتى تلازم الأول بالتاني مبدئيا... 
الحق و الواجب، يا سادة: وجهان لعملة واحدة و لا يمكن ضمان الأول و لا المطالبة به إلا إذا تم إدراك الثاني و تحمل مهمته  و الإلتزام بها على أحسن و أكمل وجه... 
لذلك و عليه تعين علينا نحن كأفراد في تركيبة إجتماعية كيفما كانت طبيعتها نووية أو ممتدة، صغيرة أو كبيرة ، إستيعاب واجباتنا الفردية و الإجتماعية، و الإقتصادية،  و الثقافية و كذلك السياسية إزاء محيطنا المصغر و كذا في مجتمعنا الكبير في عمومه.
و لا يمكننا أن نلم بالبعد الأفقي لمصطلح الواجب دون التعريج على الأثر  الذي يخلفه عدم  الإحتكام فيه لآلياته العمودية  في التقيد به و إحترامه.
و بالرغم من تباين النظريات الدينية و الفلسفية و العلمية في أيهما أولى و أسبق؟؟؟ و مدى تلازمهما؟؟؟ و كذلك لمن يجب إيلاء الإعتبار  الاسمى هل للحق الفردي أو الجماعى و هل الحق الفردي صيغة مصغرة من العدالة الإجتماعية المبحوث عنها أو ليس هو لبنة من لبنات تأسيس الكرامة الإنسانية المأمولة في كونيتها الشمولية؟؟؟ 
لقد شهد التقدم الإنساني تطورات فكرية مهمة جعلت من تلازمية الحق بالواجب شرطا أساسيا لتحقيق العدالة الإجتماعية و المناطقية و المجالية و كذلك السياسية بحيث لا يمكننا أن نطالب بالحق عندما نتقاعس في أداء الواجب و نتواكل  على الآخر و لا نتحمل المسؤولية في المهمات و المأموريات الموكلة إلينا إضافة إلى أن الأمر يبدو ضربا من الهراء و الخرف عندما يغدو هوس الحق ملحا دون ظابط الإلتزام بما سبق، و دون ربط هذه المسؤولية بالمحاسبة... 
لو تحمل كل فرد من هذا المجتمع مسؤولية أداء الواجب المنوط به و أبدع فيه و احترمه بكل حب و أداه على أحسن وجه لبدى لنا إستحقاق الحق أمرا بديهيا بكل منطق و معقول دون نقاش او جدل.... 
لكن للأسف تربع كثيرون تحت مظلة الحق المسلوب و تقاعسوا عن أداء واجباتهم تارة تحت عنوان لماذا علي ان أضحي أنا و أعمل بجدية طالما المقابل لا يلبي طموحاتي؟ و تارة أخرى تحت طائلة " انا مضطر لقبول هذا العمل لذلك لا يهم صيغة أدائي له و لا حتى مردوديتي فيه "، أو علي تحصيل أكبر النتائج النفعية الذاتية إبان مهمتي أو منصبي... و قس على ذلك كل ما يصب في نفس الإناء، من نماذج هذه الأمثلة...
للأسف تفننا في إيجاد المبررات لإنعدام الكفاءة و قتلنا بداخلنا الرغبة في تطوير الذات و رفع مستوى إنتاجيتنا و اقتصرنا على اقتفاء أثر الكسالى و المستهترين و المتهاونين والمرتزقة و الإنتهازيين و الوصوليين، و لم تعد تحدونا الرغبة الجامحة في العطاء و رفع وثيرة العمل في وقت غدا فيه الإنتاج الصيني يحسب بملم الثانية، فتقدمت إقتصادات الدول الأجنبية بسرعة خارقة، في الوقت الذي تتبادل فيه في  أمتي تخاريف البحث عن سبب ضياع الحق دون السؤال عن الذي تخلف في أداء الواجب و ما أدراك ما الواجب .....
أملي كبير في أن يستشعر كل منا مسؤوليته من موقعه و يفعل دوره الإنساني و الإجتماعي و السياسي لكي نلملم جراح الأمة و نوقف النزيف الدامي، و نبني صرح مجد لا إتكالية فيه و لا تفاوض و لا إستسلام، و لن يتأت لنا ذلك إلا بالعمل الجاد و البناء...و بإحترام مسؤولياتنا بكل حزم دون تقاعس أو تخاذل... 
لو تحملت الحكومات واجباتها في بلادنا العربية، لإستحقت حقوقها، و التي كان من باب المفروض أن لا تتعدى سقف المعقول، طالما قدمت نفسها للعمل لصالح الوطن و المواطن، فهل من المعقول التشبث بما يسمونه حقا بتقاضي أجور خيالية، غير مسلم بها، وإن كان الأمر في غرابته لم يستدعي للتعجب لتناقض منظومته اللامتناسقة....بسبب إنتهازية الكثير من ساستنا الذين يلهثون وراء المقاعد و الكراسي و إن لم تتوفر فيهم الكفاءة و الضمير الحي المطلوبين... 
لو أدرك المعلم جسامة مسؤوليته لما قايض بمستوى تلاميذه، مقابل مكاسب مادية صرفة.... و لما كان هناك تقصير في أداء الواجب، لمجرد أن الحق المرغوب فيه لم يتم تحصيله... لو أدرك المواطن أن نظافة محيطه جزء من وطنيته، لأستحق بطاقة إنتمائه و لفضلها عن أي  رمز إئتمان آخر...و لو تحمل القاضي وزر مسؤولية احكامه و راع ضميره في النطق بأي حكم لاستتب الأمن و لآمن الجميع بعدل القضاء و إستقلاليته...                                                                   نجاة زين الدين






Share To: