جلبابي لم يكن نظيفا بالقدر الكافي لكي أختال كمهرة، ومع ذلك أحسست أنني خفيفة مثل زهرة تبرعم في فصل قائظ، ورغم أن ذلك الرجل الأجعد لم ينتظر أن أنتهي من التمخط بصخب كي يلقي ما تبقى من فمه من مضغ الطعام و يحدجني بتقزز، فلم أدرك حتى الساعة لماذا تورم لساني فجأة حين دست على قشرة موز دبقة لوحت بها عجوز نصف معتوهة تعاني من الخرف.
...الشارع يم بلا شطآن، وأنا ملاح سمج أضله رمش فنار سرعان ما أفل، خصري الثقيل يؤلمني، أشعر أنه يوشك أن يسقط، أخشى أن أتفسخ على حين غرة كأوصال حيوان نخر، أجهد أن أنتصب وإن كنت أضارع ببطني المتورمة سنام جمل شارد.
خلف عربته المثرمة، يقف اللبان بسحنته المترهلة ويديه الطويلتين أكثر مما يجب، وإذ أطلب منه كأس حليب أبقر بها عطشي، أتبين أنه ما توقف قط عن ملاعبة حواجبه وغمزي. ولأنني مزهوة هذا اليوم أكثر من المعتاد، فقد رفعت كفي وناولته لطمة كافية لأن تطيح برأس أنثى في أشهر وحمها الأولى، غير أن الرجل اعتراه حرج بالغ ورجاني أن أسامحه، لأنه ما رام قط مغازلتي، فقط هو الفالج من عبث بأعصاب عينيه، وكبعض صغار الجناذب ساعة الإصباح، ينحسر الريق داخل ثنيات فمي لذلك أعمد إلى كأس الحليب وأنا أهش فيلقا غير نحيف من الذباب، وإذ أهم بارتشاف أولى الجرعات ،تطفو سويقات سوداء تكاد بفعل دقتها أن تلتصق بشفتي، أذلق ذلك اللبن المحلى بالفتات الحشري حين ألمح الحوذي الأكتع الذي ألف سحنتي الأكثر إشراقا هذا اليوم، وقد شرع في تصفيف حقائبي ومساعدتي بكفلي المتورم على أن أربض جواره فوق عربته ،بحصانها القميئ الأجرب ... وحين نقرت حذوات الحصان على إسفلت الطريق ذلك النقر الشبيه بندب قبيلة مفجوعة ،لفني الدوار ذاته الذي اعتراني وأنا قادمة من رحلة الشتاء والصيف، فساعتها أحسست أنني قطعة ثلج عائمة على وجه محيط وأن أية ضربة شمس قادرة على محقي وربما صهري كبعض أصناف الصمغ البائدة.
أنا المنشطرة عبر مضخات الزمن أتشظى بين الحلول والغياب لأهرق أحلامي في قبو المسافات البعيدة .... جثة نورس لوحهالنو وسط يم منسى - صرت– أحلامي هيكل مصلوب خلف سياج تعتم، لحياتي ظل عطور وأقمشة مهربة، وبين الشمال والجنوب تنضب شرنقة وجلي خلال التجارة السوداء لأنمو على قارعة الطريق كشجرة حنظل غير مستأنسة.
... أتسوق المحارم النسائية، الجوارب اللحمية، التنانير، الكنزات، الصدريات، المراهم، أصناف الجبن المعتق... وكتاجرة خبيرة تروم الربح السريع بأقل تكلفة، ولأن لي توجس بعض ساكنة الغابات الاستوائية، استهواني دبق الإغراء لأطير مع السوانح خلف جفان آل الشمال ،علٌي أتحاشى الاحتراق والحرقة والتٌحرق ،فَأٌهرب وأَتَهَرب بغنائمي من نبال ذوات البزة الزرقاء والعيون الصقرية.
حملي كان ثقيلا وأثقل منه حيرتي وسط الحقائب والأكياس والوجوه، لكنني وكهرة ضالة ولجت أحد المراحيض العامة التي تكتنفها روائح البراز الآدمي المتيبس والقادرة على قتل فحل قطيع أفطس، أخرجت أكداس الأثواب المبتاعة، وإذ أزحت عني الجلباب لففتها حول خصري، وثبتت على ساعدي ما ينيف على العشرين ساعة، وبين نهدي المتيقظتين وحمالتيهما دسست بعض المشابك والسلاسل والخواتم، ورغم أن الجلباب كان متسعا فلم أستعد ارتداءه إلا بعد جهد جهيد، أنا الممشوقة القوام خرجت لا كما دخلت، بل كجاموسة أضناها ضرع متورم، ولتوي انضممت إلى سرب ذوات الأعجاز الناتئة لنؤلف في تشاكلنا المتماوج قطيع ضباع يترقب خلو المورد.
الحافلة راهبة تشققت وجنتاها عقب صوم دهري عن الصبابة، أمام الباب ينتصب السائق الذي يذكرني وجهه بسلالة منقرضة، وإذ يمد يده الصفيقة ليجمع الإتاوات أو فديات الطريق، ينحشر ذلك الجمع المتبضع داخل الحافلة، أحتاج أنا المكتنزة لرجلين وامرأة كي يزجا بي إلى الداخل بعدما علق كفلي بعارضتي الباب.
... بعد ساعتين وثلاث أرباع الدقيقة، اعترضنا هدير سيارة الجمارك، لكن السائق كان له من الجرأة ما حمله على الابتسام ولم يكلف نفسه عناء التوقف، فقط خفف من سرعته وناول الجمركي – عبر النافذة-لفافة نقدية أوحت له في الحال بمنح إذن المرور .... ومن تم كان مبعث زهوي هذا اليوم.
... تنبهت أن النقر الذي أيقظ ذاكرتي قد انقطع لأدرك أنني وصلت إلى بيتي المحاذي لمدافن الموتى، يزحف زوجي – وعقب السيجارة يكاد يحرق شفتيه-ليطل برجليه النصف مبتورتين من خلف شجرة التين العجفاء، أنزل الغنائم أتكوم جانبه، وإذ أبدأ في فك لفافاتي المهربة أنتبه إلى فيلق من النمل الأحمر ذي اللدغات السامة وقد أحاط بساقي الممدودتين وسط أرضية متربة، أتذكر ساقي زوجي القويتين حين وجدتا بعد أسبوع من صدمه بشاحنة خراف، وقد بدأت الديدان تتهاوى منهما من أعلى شجرة الجميز الرابضة على قارعة الطريق.
في الربيع الموالي وحين خرجت فلول الحلزون من بياتها، كنت قد أنهيت رحلتي التجارية الخامسة والعشرين ،وإذ تحصل لدي قدر غير يسير من المال، وبقلب سنبلة علمها الصيف ارتشاف الوهج، ساورني جنون المغامرة فلملمت كل نقودي واستقلت أول حافلة صوب الشمال. لم أبتع ثيابا ولا عطورا، فقط هوائيات وتلفازات وآلات تسجيل وخلاطات بالكهرباء.
... في طريق الإياب كانت دواخلي تخضر، تزهر، تنشقت عبق الفل في راحتي، لكن حين وقفت الحافلة بفعل رجة عفيفة كدت بفجائيتهاأن أصرخ، مد السائق كدأبه يده بالمطلوب، غير أن سرية الجمارك المترصدة لم تنل منها أسرابالزنائير الصفراء التي عج بها المكان، بل فتحت باب الحافلة وإذ أنزلنا مجبرين، رأينا مقتنياتنا تحمل في الشاحنات لتسلك طرقا ملتوية وغير ملتوية إلى مخفر الجمارك.
ذهني المقفر رحم عاقر، أتنهد،أهمهم أجهش،أبكى،أعول كثمرة رمان شطرتهاالعاصفة...تصل الحافلة بعدلأي، خاوية الوفاض إلامن الرکاب العزل ، كسيرة أنزل، أتعثر، يلوح لي الحوذي الأكتع ذاته ، وحين أتنبه أتبین ذراع زوجي وهو يحاول أن يبدد شرودي بعد أن لم أبارح العربة وقد فاقت مدة وقوفها العشردقائق- حسبماأخبرت -
...في الأسبوع الموالي، وبعدأن نق ضفدع من البركة الموحلة قرب بيتنا،ابتعت دلوين وعدة الغسل واتجهت صوب الحمام.في البهو الداخلي الكبيرأقرفص،إحدى النساء بوجهها الصنوبري وشفاهها المتفاوتة تناديني، أهب أسبقها، أنظف المكان،أمددها، وكمدلكة خبيرةأشرع في إزالة طبقات الجلد الميت من عليها، والتی تكون أرضية صعبة التجاوز، وحتى بعد أن غمرتها برغوةالصابون العطري تظل رائحة ما تنبعث من حناياها كجثة حيوان غيرأصيل.
الحرشديد وأصعب منه رائحة القطران على شعر زبونتي الثامنة،وأناأدعك جسمهاالمتهدل بالحناء، أتبين وشما على هيئة ربطة عنق يمتد تحت الذقن ليصل إلى مابين الثديين الرخوين ككيسي حنطة أكلها السوس.
برمائية غدوت، سلحفاة غير ناضجة، بين الماء والدلاء تتزلق السنون تتجعدالأيادي يمتصني اللهب، لأظل خلف سياج الحمام أجتث أوساخ الغير دون أن يمسح أحد درني،لأنني مانسيت قط أنني هَرَّبْتُ وتَهَرَّبْت لكنني هرَبْتُ لأَنْدس كدويبة خَلل زحام الحمام.
Post A Comment: