في كانون الثاني مع بداية شباط إلتقينا في حافة النهار الجليد، كانت الرياح شديدة وعاتية من كل الجهات، والمناخ قارص للغاية وأجسامنا كانت لا تقوى على تحمل الجو البارد حينها، لأنها غدَّت نحيلة وضعيفة كاعجوز بلغ التسعين من عمره.
كان الوقت مع شفق الشمس الأزلي عند الغروب بلونها البنفسجي، تحمل في طيأتها معالم جمالية للطبيعة الخلابة، رغم أننا في فصل الخريف دخولًا في الشتاء.
أشتدت البرودة وتساقطت قطرات الندى، وهبت الرياح فذهبت بأقدرنا في اتجاهات متفرقة، ثم عاودت جمعنا من جديد!
حلقّ نظري الى أعلى فكانت الضباب تمشي ببطءٍ كأنها تحمل دمعة الحزن التى تكابد القلوب وتغلفها منذُ وقت كان و لم يكن!
تجولت على الشاطئ أُحدث نفسي بقصائد كنت أحفظها حينذاك تتكلم عن صدفة الحب الغريب لقلبين لكنه من طرفٍ واحد!
غدوت كطفل ضايع يبحث عن حنان الأم ليدفىء به من شدة البرد، وهناك في الطرف الآخر إمرأة ترتجف من البرد تحمل في يديها حقيبة خاصة بأدواتها، حيث كانت ذات قامة بديعة الجمال، مضيت نحوها اقتربت منها بتحية السلام،
ماذا تفعلين هنا سيدتي ؟
ردت عليك السلام، أتيت لاستنشق نفس الحرية هنا على الشاطئ، ألا ترى الجو اليوم جميل فقلت أخرجُ وأستريح بعض الوقت من سجن غرفة تتكون من أربع حيطان مظلمة!
وأنت لماذا أتيت؟
فأجبتها : أولًا تسمحين لي بالجلوس .... نعم تفضل ولما لا يا هذا!
كان ردها بنبرة تملؤها السعادة، كأن فرجٌ أتى إليها يؤنس جالستها تلك.
جلستُ:- ثم أجبتها على سؤالها ...
أنا خرجت باحثًا عمَّ يغمرُ سعادتي التي تغادرني كلما التقيت بها!
فنظرت إليها وقد بدأ جسدها يرتعش من البرودة فقلت لها يبدؤ أن البرد أهلكك سيدتي؟
نعم :- لكن لا بس فالأهم أني هنا أفضل من ذلك المكان الذي أقطن فيه جُل وقتي بين أربع حيطان صما .
كنت حينها أرتدي بُردة تدفئُني من البرد أعطيتها إياها لعلها تخفف عنها شدة البرد.
شكرًا يا هذا الغريب، لن أنسى لك هذا .
قلت لها حبًا سيدتي ليس إلا واجب نقوم به.
ضحكت بصوت رقيق جميل للغاية، كم أنت مَرح يا هذا ما قصة كلمة سيدتي التي تناديني بها.
ابتسمتُ فنبثق على خدي تَعّبير وجهي الكئيب، وقلت لها لأول مرة أراك فما أناديك إذن.
حسنًا يسعدني لقاءُك ياهذا، هل تشرب معي فنجان شاي .
نعم يسعدني ذلك.
كانت قد اصطحبت معها ثلاجتها الخاصة بالتنزه، أخذنا في الحديث هنا وهناك ونحن نرتشف الشاي، فبدأ الظلام ينشر خيوطه في الأجواء وسكنت المياه في أعماقِها وعم الهدوء جلستِنا وتزينت من حولنا المدينة، وبدأ القمر يُرسل لمعان جماله ونتصف الليل ونحن في قارعة الطريق والتعارف لم يتنه، إلا أنا علامة السعادة والمحبة زهت فيما بيننا، وسكنّا إلى بعضنا البعض حبًا وتكرمًا، فمرت السنين والأيام العجاف محملة بتعثرات وخدوش يطيب لها الخاطر .
لكننا لم نكمل قصتنا بعد، لقد كان الليل حالك بالسواد لا نستضيُ بعضنا، فضطرّرنا أن نمضي ومعانا سجية الحب، لعلنا نلتقي نكمل حكايتنا الأزلية، بنّغم الغد المثخّن بسعادةٍ وود يُجمعًا في ربوع الديار المنتظرة لذلك الربيع حيّنا يُزهر !.
Post A Comment: