ها أنتِ على بُعدِ قُبلة من اتمام عامكِ الأول يا فايا . أنا أبوكِ من يحبكِ أكثر مما يحب روحه ، اُحدثكِ من هُنا من حيث أنا ، من جوف غُرفة في البعيد ، غُرفة مصدئة كمعبرٍ يقبع في مجرى السيل ، شحيحة بالاُكسجين كزنازنِ المُجرمين ، كثيفة بضجيجِ كائنٍ ملعونٍ يعلو رأسي بحيث أن ضجيجه فاق ضجيج الطائرات القاصفة لأحلامي ، رأسي من تتجولين فيه بكل أريحية ، غُرفة بابها غزير بالثقوب كأبواب منازل وطني المُخزقة نتيجة الحَرب ، الوطن الجائع كأنا ، كأنا الذي اُجبرتُ على البُعد بحثاً عن لُقمة حياة لي ولكِ يا قطعة من روحي .
إليكِ ، لطالما وعدتُكِ قبل يوم من الرحيل وأنني سأظل على تواصل دائم بكِ وسأتغنى ببراءتكِ عبر اللغة هأنذا عند وعدي ، فأنا لا أخون الوعود خاصة عندما يتعلق الضوء بكِ ، كنتُ قد كتبتُ لكِ رسالة قبل أيام يا أميرتي الصغيرة ، رسالة حروفها من اشتياقي ، وحبرها دمي ، وعطرها رائحة أنفاسكِ التي وبرغم البُعد ما زالت مختبئة في قاع فؤادي، رتبتها جيداً حتى بدت جميلة كأنتِ ثم غلفتها بلونِ فُستانكِ ذاك من كان يضحك فوق جسدكِ حين سرقتُ قُبل الرحيل من وجنتيكِ ومن جبينكِ الجميل المُقتبس من جمال الرب ، أخبرتني والدتكِ بأنكِ قرأتِ رسالتي جيداً رغم أنكِ ما زلتِ تعيشين أيامكِ الأولى، ومع كل حرف تقرأينه كنتِ ترددين بابا بابا حتى يضيع نفسكِ أليس كذلك؟ . أرجوكِ لا تقولين أن والدتكِ كاذبة لأنني أثق بحديثِ اُمكِ فالاُمهات لا يكذبن فهن مخلوقات من صِدق الآلهة ! عبر رسالتي السابقة حدثتُكِ عن قصة شاب وامرأة وكيف تقمصتُ دور المُنقذ فحافظتُ على حُبهما من التلاشي و الإندثار ، وكيف أصبحا يعيشان دقائق تتدفق من ثوانيها القُبل والعِناق بعد أن كان العذاب يحرق أفئدتهما كما تُحرق الحدائق في وطني وبدون رحمة .
وهُنا ساُحدثُكِ عن حسنة نظفتني من جميع السيئات، قبل ليلة البارحة شاهدتُكِ تزحفين على ركبتيكِ، ها أنتِ ذي على وشك أن تستقيمين وتتشرف الأرض بعزفِ أقدامكِ ، كنتِ تزحفين فوق الحصير ، قطعتِ مسافة صغيرة لكنها في عيني كبيرة ككُبرِ السموات والعَرش، رأيتكِ ترتدينَ فُستان آخر دمعة ، لكن الحصير ذاك كان متسخاً كأيامي السابقة المليئة بالكآبة ، أيامي العرجاء حين تفننتُ بصناعتكِ ، حين قذفتُ بكِ إلى رحمِ السماء على هيئة تنهيدة أو ربما شهقة، هُناك ظليتِ تكبرين ولحياتي تشعلينَ شمعة شمعة وحينِ أكتملت أيامكِ هطلتِ إلى أحضاني فرحة وحياة تسيلُ من زواياها السعادة ، رأيتكِ وكأنكِ تزحفين على حصير قلبي ، قلبي الذي نسيَّ كل شيء منذُ وطأت قدماهُ هذه الأرض إلا أنتِ لم يستطع، أراكِ في المنام ومع كل غفوة، أردد اسمكِ آناء الليل وأطراف النهار وعند كل يقظة ، اُحبُكِ عند ساعات الظهيرة وفي العصرية أرسل إليكِ مع سفر السحاب مزهريات ومن ضحكتكِ أكتب ألف قصة ، أنتِ يا قصيدة لا أمل من قراءتها ويا روايتي الأولى المعجونة بالدهشة.
اُحبُكِ يا بؤبؤ عيني.
Post A Comment: