"كلماتي لا تريد البوح" بهذه العبارة خاطبته حين سألني عن الحقيقة، كان بوسعي النظر إليه فقط وأتم طريقي في صمت واكتفي برسالة مشفرة من نظرتي له، لكني حتما سأعمق من الجرح الذي سببته له الحقيقة حتى لو كان سؤاله من باب الفضول، فاكتفيت بنظرة خاطفة وأنا أهمس بخفة "كلماتي لا تريد البوح"؛ أكملت طريقي  لكنه لحقني بكلام يحمل في عمقه الكثير من الضجر استشعرت منه خيبة أمل ويأس شديد وهو يستجدي من سؤاله طلب الحقيقة لكن كلماتي كانت لا تريد البوح، مهما حاولت جاهدا الوصف أوأجدت اختيار الكلمات إلا انني في مثل هذه المواقف لا  تطاوعني الكلمات فلا أستطيع قول الحقيقة لكون هذه الاخيرة توجد خلف جدار الكلمات وكلماتي حقا تجد ذاتها عاجزة عن البوح بالمعنى لكونها لا تستطيع نقل صورة الحقيقة كم هي، فذاتي معزولة عن العالم الخارجي للغير، توجد وحيدة داخل غرفة مظلمة محاطة بسور سميك من عوالم اللغة لا بمكنها البوح خارج عالم الكلمات، فوراء حشد اللغة توجد الحقيقة، لكن جدار الكلمات يخفي وراءه الحقيقة، المعنى، الوجود على حقيقته... لذا كلماتي لا تريد البوح ولا يسمح لها بالتعبير الشفاف، لعبة الحقيقة هي لعبة الوجود المشكل من عوالم اللغة.

مهما حاول الغير  طرق باب غرفتي فلن أستجيب إلا وفق ما تسمح به اللغة ومهما حاول لن يستطيع كسر قفل الكلمات لبلوغ الحقيقة، يمكنه تسلق الجدران لكن لا يستطيع كسر جدار عوالم اللغة؛ هكذا هي لعبة الوجود والحقيقة داخل بيت اللغة حيث الوجود في ضيافة اللغة، الحقيقة أننا محكومون بالإقامة الجبرية في ضيافة اللغة، فالوجود الخاص بنا محاط بجدار سميك لا يمكن لأحد تجاوزه مهما كانت محاولة الغير تسلق الجدار فإنه حتما لن يستطيع تجاوزه نحو الداخل ومهما كان طرق الباب شديدا فإن القفل صلب لا يمكنك النفاذ منه نحو عوالم الذات الداخلية؛ هناك داخل غرفة اللغة أوجد أنا ، توجد مشاعري وكل الأحاسيس التي كونتها ذاتي عن الوجود في عموميته؛ مشاعر رثة وأحاسيس تجمع بين كل المتناقضات بين الانجذاب، الحب والكراهية، الحيطة والحذر... هناك أغرق في صراخ صامت لا يرتد نحو الخارج إلا بالقدر الذي تسمح به الكلمات، هناك أجدف بين الأزمنة، الماضي بصوره والحاضر بحوادثه، هناك أخوض حربا ضروسا تسقط فيها الكثير من الأحلام وتغتال فيها العديد من المشاعر وأخرى تعلق على حبل المشنقة، وجودي الذي يبدو في مظهره هادئ كفصل الربيع يحوي في عمقه هدير موج من الكلمات المضطربة وعاصفة من المعاني لا يهجع صخبها، هناك يحضر العالم الخارجي على شكل كلمات صور وحوادث، لا مخرج من الغرفة و لا سبيل نحو النفاذ، لا مفر إلا المواجهة فسور الغرفة سميك لا يسمح لأحد عبوره تلك هي الحقيقة وذلك هو الوجودي الفعلي إنه عالم لا مخرج منه. 
إن حقيقة الوجود من مشاعر ونوايا وأفكار وعواطف
 تختفي خلف الكلمات مظهر وجودنا مزيف ولا معقول يفتقد للمعنى الحقيقي للحياة التي توجد خلف عباب اللغة ووراء عرش الكلمات هناك توجد تلك القصة الحزينة والدمعة التي تتراقص على شطحات الحزن في سكون واجم الذات فيه سجينة  الغرفة وسط عوالم الرموز والكلمات هذا هو العالم الانطولوجي للإنسان...

  






Share To: