أعيدوا الزمن برهةً لتلك الأيام النقية، لزمن الرسائل الورقية والمسافات الطويلة التي تُقطع لإلتقاء حبيب الروح، ضعوني فيه ولا أريد هذه الأيام التي نقبع فيها خلف شاشات متنقلة يسهل الوصول لأي شخص في أي دقيقة... أريد الإنتظار على شرفة منزلي وأريد محبوبي يتخذ من شارعي ممر رسمي لذهابه وإيابه، أريد إنتظار ساعي البريد في جولته الأسبوعيّة منتظرةً على أحرّ من الجمر أن يعطيني رسالة مغلّفة معنونة بإسمي وبها شريط مسجّل بصوت من أحب به كلمة واحدة "أحبك" وباقي تفاصيل أسبوعه الفائت موجودة في الورقة، يُخبرني عن شوقه ويُغازلني ويرتب موعد لقائه السنوي معي، ويتجرأ ويكتب على حائط منزلي أميرتي تسكن هنا! ويخبرني عن تجهيزاته لمقابلة والدي وعن أنني يجب إنتظار أن تكون جميع الأمور بخير، يسألني عما كان يحزنني نهار الإثنين الفائت عند الساعة الخامسة ما بعد الظهر، كنتُ عاقدة الحاجبين واقفة سارحة في خيالي وعند رؤيته نادته عيناي تريد الهروب إليه، أسعدُ حينها لدرجة أنني أنسى سبب حزن سنوات لا نهار الإثنين فقط لأنه بلفتة واحدة علِم ما في داخلي!! وعند خصامنا بدل من إنتظاره ساعي البريد أن يأتي في رحلته الأسبوعية يتسلل هو في الليل ويرفق رسالة مراضاتي على الحائط التي أعتاد الإستناد عليه وقبل قراءة المحتوى تُفرد جناحاي فرحاً على مغامرته تلك... وعندما يقوم جاري بالعلم بأمر حبنا بعد أن رآه في ليلة ميلادي يضع لي الزهرة على نافذة غرفتي فيقوم بإرضائه بأي أمر كي لا يفضح أمرنا ففاكهة حبنا لم تنضج بعد، لم نكتفي من المغامرة، ولم تُشبع رغبة التلذذ بالإنتظار بعد!! رغم أنني فتاة تكره الإنتظار وعامِل الوقت يسبب لها الجنون لكنني على استعداد إنتظار رده على رسالتي الأخيرة شهور لأن ساعي البريد أصيب بمرض شديد وهو بشخصه لا يستطيع المغامرة والمجيء بسبب إنتقال سكنه من الريف إلى المدينة، فأتعطش لحبه وأستوي بعدها تأتي الرسالة بعد شفاء ساعي البريد لتُشفي روحي وتأخذني لعالم لا شيء به سوى الحب!! وبعدها نلتقي عند ضفاف نهر أسترق نظرة عن قرب منه مستغلة فرصة أنّ أمي تحادث تلك المرأة عن حال البلاد لأعيش بعدها في ذكرة لمعة عيناه البنيتان  التي تنطق بالحب... لأحتفظ بكل ما نمر به في ذاكرتي وبين أشيائي وفي خزانتي الخاصة المحكمة الإقفال لضماني أنه لا أحد يعلم بسرّ فرحتي كي لا يفسدها، وكي لا يضيع منها أي تفصيل لأنني جميعها سأزفها معي عندما أُزَف عروس قلبه!






Share To: