عندما كنا صغارا، كانت جدتي تحكي لنا حكايات الغول وحكايات "مقيدش"، وكيف كان "مقيدش" يتصرف بذكاء مع الغول وينجو كالبطل في النهاية.. كنا نعتقد أن الحكايات حقيقية، وكنا نتابع الأحداث بشغف.. لكن عندما كبرنا، فهمنا أن تلك الحكايات كانت للتسلية فقط.. لم نفهم أنها قصص غنية بالمواعظ والحكم إلا بعد أن زارتنا الغولة كورونا.. نعم، إننا الآن أبطال حكاية " الغولة كورونا" !!

لا أدري من أين أبدأ سرد حكايتي.. هل أستهل حديثي بحكاية الخفاش الذي اتهموه بولادة كوفيد التاسع عشر، أم أتحدث أولا عن حرب بيولوجية يحاول فيها بعض البشر تخفيض نسبة سكان العالم.. أو ربما أفتح ملف التلقيح الذي اختلفت أنواعه لأسباب اقتصادية، ولم يكن عونا لبعض المصابين بكورونا، فكان النصر للفيروس المتحور..

نعم إنها حكاية صراع العلم والجهل.. صراع القوي والضعيف.. انهيار الدنيا، وانفتاح أبواب الآخرة.. فهل استفاق الناس من غيبوبتهم؟ أم أنهم مازالوا يتشبثون بحبال تكاد تتقطع من شدة ضعفها!

ظهرت الغولة كورونا في مدينة ووهان الصينية في أوائل شهر ديسمبر عام 2019. هي جائحة حيرت علماء العالم، حيث أن منظمة الصحة العالمية أعلنت منذ ظهور الجائحة إلى الآن عن إصابة أكثر من 194 مليون إصابة بكوفيد – 19 في أكثر من 188 دولة ومنطقة، تتضمن أكثر من 4.170.000 حالة وفاة، كما أن أكثر من مليون مصاب قد تعافى من هذا المرض.

الغولة كورونا تترصد الأشخاص في منعطف الطريق.. وتبحث عن المتعبين ومن يعانون من نقص المناعة.. تتواجد في التجمعات، وتنتقل عند المخالطة اللصيقة بين الأفراد، أو عبر الرذاذ أو القطيرات التنفسية الناتحة عن السعال أو العطاس أو التحدث..  وقد تسقط الغولة كورونا أرضا، لكنها لا تموت.. تبقى مستلقية على الأسطح، تنتظر يدا تلمسها، كي تنتقل بسرعة إلى أقرب ثقب في الوجه (أنف، فم أو أذن).. فالغولة كورونا تكره الشخص النظيف الذي يغسل يديه باستمرار، والذي يغطي وجهه عند العطس، والذي يتجنب الأماكن المكتضة ويحافظ على مسافة كافية بينه وبين الآخرين.

الغولة كورونا لا ترحم الجسم الضعيف، فهي تنتشر فيه بسرعة، ترفع درجة حرارته، وتمنحه بطاقة السعال والإعياء وضيق التنفس وفقدان حاستي الشم والتذوق. الضيافة الثقيلة لكورونا قد تستغرق 5 أيام إلى 14 يوما. وقد يفيد العلاج الداعم لها، لكن لا يوجد لحد الآن علاج أو لقاح فعال لهذا الفيروس الأسطوري!

الغولة كورونا لم تحطم الصحة العالمية فقط، فهي كابوس اجتماعي واقتصادي كسر العالم ولازال يكسر اقتصاد الدول الغنية والفقيرة. 

ارتداء أقنعة، وحجر صحي، وكساد عالمي، واكتئاب مخيف.. هكذا يعيش العالم الآن.. لكن رغم كل هذا، لم يتعظ الظالم، ولم يستفق الساكت عن الحق، ولم يتغير العالم إلى الأفضل.. فالناس لا تخاف مواجهة الغول، إنها تخاف فقدان ما تملكه في الحياة الفانية.. ولا تأبه للفيضان القادم المحمل بأولاد وأحفاد كورونا.. والذي سيفتح لها أبواب الآخرة دون سابق إنذار..

 







Share To: