باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على مَن على العظيم مِن الخُلُقِ سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، أما بعد.
حديثنا اليوم عن موضوع أثار ضجة كبيرة في الأيام القليلة الماضية ألا وهو مطالبة الكاتبة الأردنيه ( زليخة أبو ريشة) برفع أذان العشاء بصوت المغنية الراحلة ( أم كلثوم ) فما الحكم في ذلك؟
الحكم في ذلك أنه لا يجوز للمرأة أن ترفع الأذان بصوتها إلا إذا كان جميع الحضور نساء ولا يرتفع الصوت فيسمعه رجال والدليل على ذلك أنه جرى عمل المسلمين على مدار أربعة عشر قرنًا من الزمان أنه لا يتولى الأذان إلا الرجال ، وهذا بمفرده يكفي دليلًا على منع النساء من الأذان للرجال ، ومخالفة هذا مخالفة لسبيل المؤمنين ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء/115 .
والأمر أوضح من أن يستدل له ، لولا وجود من طمس الله على بصيرتهم ، وصاروا يجادلون في أمور تعد من ثوابت هذا الدين .
ويدل على ذلك من السنة :
1- ما رواه البخاري (604) ومسلم (377) عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال : كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا ، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا بِلالُ ، قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ ) .
فهذا الحديث يدل على أنه من المقرر عند الصحابة أنه لا ينادي للصلاة إلا الرجال ، وأنه لا مدخل للنساء في ذلك ، لقول عمر رضي الله عنه : ( أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ ) .
2- روى البخاري (684) ومسلم (421) عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ رَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ ) .
قال الحافظ :
" وَكَأَنَّ مَنْعَ اَلنِّسَاءِ مِنْ اَلتَّسْبِيحِ لأَنَّهَا مَأْمُورَة بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي اَلصَّلاةِ مُطْلَقًا لِمَا يُخْشَى مِنْ اَلافْتِتَانِ " انتهى .
فإذا كانت المرأة منهية عن تنبيه الإمام بالقول إن أخطأ ، وإنما تصفق ، حتى لا ترفع صوتها بحضرة الرجال ، فكيف يسمح لها بالأذان ؟!
وقد اتفق العلماء على عدم مشروعية أذان النساء للرجال ، وهذه بعض أقوالهم في هذا :
جاء في "بدائع الصنائع" (1/411) (حنفي) :
" يكره أذان المرأة باتفاق الروايات " .
وفي "مواهب الجليل" (2/87 ) (مالكي) :
" فلا يصح أذان امرأة " انتهى .
وقال الشافعي في الأم (1/84 ) :
" ولا تؤذن امرأة ، ولو أذنت لرجال لم يجزئ عنهم أذانها " انتهى .
وفي "الإنصاف" (1/395 ) (حنبلي) :
"لا يعتد بأذان امرأة " انتهى .
وقد تناقل الكثير من الناس حديثًا موضوع لا أساس له مِن الصحة حول التغني بالقرآن وأصبحوا يشيدون بقراءة المغنين للقرآن على الرغم مِن تفشي اللحن في قراءتهم، وهذا الحديث نصه كالآتي:
( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وأَصْوَاتِها، وَإِيَّاكُمْ ولُحُونَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَأَهْلِ الْفسقِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ بَعْدِي قَوْمٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالنَّوْحِ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، مفتونةٌ قُلُوبُهُمْ، وقلوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ ) وهذا النص أجمع العلماء على أنه ضعيف جدًا وأن راويه كثير الوضع في الحديث وكثير الرواية عن المجهولين وهذا قولهم "
قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 111) من طريق بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا ، وَكَانَ قَدِيمًا يُكْنَى بِأَبِي مُحَمَّدٍ، يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وأَصْوَاتِها، وَإِيَّاكُمْ ولُحُونَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَأَهْلِ الْفسقِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ بَعْدِي قَوْمٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالنَّوْحِ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، مفتونةٌ قُلُوبُهُمْ، وقلوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ )
قال الطبراني : " لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ حُذَيْفَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: بَقِيَّةُ "
وهذا إسناد واه.
وفي هذا النص: قال ابن الأثير في "النهاية" (4/ 242-243):
" اللُّحُون والأَلْحان: جَمْعُ لَحْن، وَهُوَ التَّطْرِيب، وتَرجِيع الصَّوْت، وتَحسِين القِرَاءة، والشِّعر والغِنَاء. وَيُشْبه أَنْ يكْون أرادَ هَذا الَّذِي يَفْعَله قُرَّاء الزَّمَان؛ مِنَ اللُّحُون التَّي يَقْرَأون بها النَّظَائر في المَحَافِل، فإن اليَهُود والنَّصارى يقْرأون كُتُبَهم نَحواً مِنْ ذَلِكَ " وهذا لا يجوز في القرآن.
أصبحنا في وقتٍ ترى فيه الأدباء يطلبون أن يُقرأ القرآن بأصوات المطربين والتلحين فيه وأن يُرفع الأذان بأصوات النساء تاركين بذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، هذا الكلام في غاية الخطورة فإن تركنا اللحن يتسلل إلى كتاب الله وإلى شعائر ديننا فلن نستطع إخراجه أبدًا مهما حاولنا، بل سيصبح اللحن هو الطبيعي والمتداول، كما نال هذا الحديث المكذوب حظه من الشهرة وترديده على ألسنةٍ كثيرة، وأصبح كثيرون يجادلون به دون رجوعهم إلى أصل الحديث أو راويه ولا إسناده ولا صحته من عدمها.
Post A Comment: