الإهداء: إلى جميع منتسبي قطاع التعليم بكلّ فروعه دون استثناء... أنتم نجوم تطرّز رايات البلاد التي لا تنحني لأحد... أنا خجول أمام تضحياتكم لكنّني أكتب عنكم قدر طاقتي... وفّقكم الله... مع كلّ حبّي واحترامي واعتزازي.

تصدير 1: لكلّ إنسان من اسمه نصيب.
تصدير 2: لا شيء يثبت أنّي أحبّك سوى الكتابة.

لكلّ وطن بلدانه ولكل بلاد مدنها ولكل مدينة أبوابها و"مدنين" هذه المدينة المتوسّطيّة الفقيرة الجاثمة بين غفلة الصحراء ولعنة البحر أحد أبوابها عمّي "الطاهر الهازل"
قد يبدو في الأمر كثير من المبالغة التي أدمنها الشعراء والمدّاحون لكن عندما كان المرور أمام الاتحاد جريمة كان "الطاهر" نقابيا شرسا وعندما كانت السياسة مرادفة للسجون كان "الطاهر" سياسيا لامعا وعندما كنّا لا نفك الحرف كان "الطاهر" ناشطا طلاّبيّا ثمّ أستاذا قديرا.

أنا لا يهمّني الآن "الطاهر" النقابي الذي اختلفت معه ذات صيف فابتسم وفتح ثلاجة مكتبه وأطعمني وسقاني من روحه ولا "الطاهر" السياسي الذي أختلف معه ربّما لقصر نظري في ميدان السياسة ولكن يهمّني جدا "الطاهر الهازل" الإنسان الذي فتح قلبه للغرباء والفقراء عندما أغلق الناس أبوابهم... بل فتح قلبه لخصومه الذين آذوه يوما وحين لمته قليلا ابتسم ابتسامته المعهودة وقال: " ألم تقرأ قوله: اغفر لهم يا أبت فإنّهم لا يعلمون" فأسقط في يدي... أنت غفرت لهم يا أبتاه لأنّك كبير فعلمنا درسنا الأخير: أن نحبّ خصومنا ونغفر لهم زلاّتهم في التدبير.
اليوم يتمّ الطاهر سنته الخامسة والثلاثين في مهنة المتاعب بعد أن قام بواجبه قياما يحسده عليه الأحباب قبل الخصوم... يغسل يديه من لوثة طباشير الدولة وأقلامها... يرتدي على عجل معطفه الأزرق الصوفي ويخرج بنقاء الأنبياء بقميصه الأبيض الذي رفض أن يعيرني إيّاه وبنظّارته وبشعره الذي خطّه الشّيب قليلا... ينحني بإجلال لعلم البلاد... يترجّل عشرين مترا ثمّ يركب سيّارته البسيطة التي لا تغني عن نَصَبِ... يصل إلى قلب المدينة النّابض... سيارات الأمن الجمهوري تأمر عربات أثرياء الحرب وأثرياء الكورونا أن تجنح على اليمين واليسار... الموظّفون يقفون أمام مكاتبهم... النّساء يطللن من الشرفات يزغردن ويرمين الورود... مصادح سيّارات الأمن تصدح: أوسعوا الطريق "الطاهر" سيعود إلى بيته.
يسألني عمّي "الطاهر" ماذا سيفعل بعد تقاعده فأسرّ إليه: "تعلّم يا أبتاه" زراعة الزياتين في "مدنين" حتى تعانق أخواتها في أرض فلسطين... ينفجر ضاحكا ويقول: كفى يا بنيّ رسالتك وصلت.
يسألني محامي الشعب "جمال بوعبيدي" قائلا: ألا تبالغ في وصف هذا الرجل؟ كيف تسخّر قلمك؟ فأجيبه يا صديقي إنّي أبالغ في حبّ أصدقائي وإنّي أسخّر قلمي للأنبياء وأحفاد الأولياء إيه يا عمّي الطاهر... نحن أبناؤك الذين لم تنجبهم وأحبّاؤك الذين خانوك واغتابوك حقا وباطلا – وأنا أولهم وأنا أكثرهم – نعلن توبتنا بين يديك فاصفح عنّا ونهمس في أذنك: كلّ عام ونحن نحبّك أكثر... كل عام وأنت أجمل وأصغر... كل عام وطهرك أطهر وأطهر وأطهر.








Share To: