" إنها الصحوة .. إنها الصحوة " الديوان الجديد للشاعر " محمود مفلح " وقبل أن نتكلم عن الديوان أو عن جزئية منه لابد أن نحدد موقع الشاعر وأعماله علي خارطة الأدب  ونستطيع أن ندرك ذلك إذا علمنا أنه صدر له من قبل في مجال الشعر الإسلامي " مذكرات شهيد فلسطيني " و " المرايا " و " الراية " و " حكاية الشال الفلسطيني " و " شموخاً أيتها المآذن " و " فضاء الكلمات " وله تحت الطبع ديوان " البرتقال ليس يافاوياً " و " أناشيد الأطفال" هذا غير الأعمال القصصية ، كما أن الشاعر عضو مؤسس في رابطة الأدب الإسلامي ، ويساهم في معظم مجلات الوطن العربي .
 أما الديوان الذي بين أيدينا وكي لا نقطع الطريق علي من يدلون بدلوهم  ويقولون  كلمتهم عنه فلن نتناول سوى جزئية " التوظيف القرآني " في الديوان ، ويبدو ذلك من النظرة الأولي في الديوان حيث يطلع علينا الشاعر بهذا الإهداء " إلي الجيل الذي تربى علي مائدة القرآن الكريم وانطلق يشق الظلام البهيم ليعانق الفجر .."
بهذه الكلمات الفجرية المضيئة يقدم الشاعر ديوانه الذي انبعثت في ثناياه وانتشرت في أرجائه  إشعاعات الهداية القرآنية لغةً ومعانيا  لتعكس ظلالها علي الوجدان المسلم بعد أن امتزجت بوجدان شاعر مسلم يمنحنا العبارة الشعرية الوثابة ويطل من خلال  عباراته مفتخراً بجيل المصاحف فيقول :
وأقول يا جيل المصاحف يا خمير الأرض
يا طلقَ الولادةِ
ها أنت كالينبوع تدفق في صحارينا
وتمنحنا الوثيقة والشهادة
وقد أيقن الشاعر أن الحروف كالأشجار منها الطيب ومنها غير ذلك ؛ فهو يختار حروفه وكلماته بعنايةٍ وعلى بصيرة وعندما تزهر الحروف قصائد ، يحكم الشاعر دقات قلبه في هذه القصائد على هدي كتاب الله أثتاء مسيره إلى الله
 
 
يقول الشاعر في قصيدة " حينما تزهر الحروف " :
في سبيل الله أمضي
وعلى هدي كتاب الله قد أحكمت نبضي
أرتدي الفجر وأمضي في سبيلي فإذا الشمس دليلي
وإذا الأنجم في قلبي وأعراس النخيلِ
لن نقف طويلاً وحسبنا أن نشير إلي مواضع الإشعاعات القرآنية ففي نفس القصيدة يقول الشاعر :
وسطوراً من رحيقِ الذكر
أتلوها .. فيستيقظ سيف الحق
أتلوها.. فيصحو الشرق
أتلوها فتجري للينابيع طيوري
ولا يخفى علينا هذا الموكب العظيم الذي نشاهده في هذه الكلمات وكأننا نستمع إلى القرآن غَضا تنبعثُ منه سيوف الحق وكأننا نشاهد خيولاً تنطلق من هذه الكلمات مدججين ، وكأننا نشاهد صحواً بعد سُبات ، كأننا  نشاهد طيوراً فرِحة تنطلق إلي الينابيع بعد طول غياب ، وقد سار الشاعر إلي آخر القصيدة على هدي كتاب الله وانظر إلى قوله مثلاً :
وعلى هدي كتابي
أبصر الأشياء من خلف الضباب
وكذلك قوله :
أزرع النخلة في القلب وأسقيها شبابي
وهكذا نرى أن سيوف الحق مهدت الطريق للصحو .. للطيور .. للينابيع .. للنخيل حتى تمتص رحيق الشمس فاقرأ معنى قوله :
أبصر النخلة تجتاز المسافات لتمتص رحيق الشمس من ثدي  الروابي
ولست في حاجة إلي بيان أن الاية الكريمة " ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرةٍ طيبةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء " " إبراهيم 24 " .. تتسابق معانيها عندما يقرأ قول الشاعر :
أبصر النخلة تجتاز المسافات لتمتص رحيق الشمس
 
وتكتمل اللوحة الجميلة في ذهن القارئ عندما يقرأ :
وعلى وقعِ التلاوات ستَخضَّر الفصول
ويطول بنا الاستقراء والحصر لو تابعنا الينبوع القرآني الذي يتفجر خلال الديوان ، وكما أسلفنا نكتفي بالإشارة ؛ ففي قصيدة " نحن إسلامنا عظيم " يقول :
ظلمة الليل لن تطول علينا
ولدينا نبراس القرآن
وفي قصيدة " جيل الصحوة " يقول :
اقرأ على تلك الرؤس الزلزلة
اقرأ علينا ما تيسر يا بلال
اقرأ علينا " المؤمنون " وشد قوسك
إن قوسك لا تطيش بها النبال
ويقول :
وقرأت نبضك وانطلقت بلا عنان
من سورة " الإسراء " جئت ومن نقاء
الفجر والسبع المثاني
ولا شك أن كل سورة من السور السابقة تترك انطباعاً معيناً بمجرد ذكر اسمها وتفتح لها آفاقاً جديدة رحبة ومعاني ثرة اختزلت في كلمة واحدة
وكذلك نرى الشاعر في قصيدة " أغرد بالقصيدة " يقول :
ونتلو الآي إثر الآي حتى
يشف الروح عن ألق صراح
وفي قصيدة " لولا العقيدة " يقول وهو يصف حال المؤمنين :
وتسلحوا بالعاديات إلى الذرا
و"الفتح" تملأ نبضهم إيقاعا
عرفو من التنزيل حلو مذاقه
وبسحره قد شنفوا  الأسماعا
وفي رثائه للشاعر ليد الأعظمي يقول :
متَّ والمصحف الكريم بجنبيك
شفاءاً وأنت تتلو السطورا
 
وقبل أن ننهي كلامنا نقول :
إننا لم نحص ما أراده الشاعر وما جاء في ديوانه " إنها الصحوة .. إنها الصحوة " من معاني القرآن وألفاظه لأنه أهدى الديوان إلي الجيل الذي تربى على مائدة القرآن .
وقبل أن نغادر الديوان لا بد أن نلقى نظرة سريعة ، فالديوان صدر عن " دار الوفاء للطباعة والنشر " في مصر ضمن سلسلة " نحو أدب إسلامي عالمي " وقد تنوع مضمون الديوان بين الرثاء والحنين إلى الوطن والمناسبة ، وقد نال جيل الصحوة قدراً كبيراً من الديوان كما تنوعت القصائد من ناحية الشكل إلى " مُقفَّى " و " ومرسل " وبلغت عدد قصائد الشعر العمودي سبعاً وعشرين قصيدة مقابل أربع قصائد من الشعر الحر، وقد أجاد الشاعر في النوعين واستطاع أن يوصل خطابه الشعري .
وحتى لا يتحول كلامنا إلي شبه مجاملات ، أشير إلى خللين عروضيين في الديوان ففي قصيدة " حينما تزهو الحروف " يقول :
وأنا اقرأ فاتحة العصر .. وأشواق الحقول
وقوله :
ولنا الشجر الشجر الأخضر والماء الذي تجري إليه الطيور
فنلاحظ أن " فاتحة العصر " و" الشجر الأخضر " تخرج القارئ عن بحر " الرمل " بحر القصيدة ، وفي قصيدة " حروف الشوق " يقول الشاعر :
وظلت خفافيش الظلام تنوشني
وظلت كلاب الأرض تولغ إنائيا
فانظر إلى جملة " تولغُ إنائيا " ففيها خروج عن بحر " الطويل " بحر القصيدة ، وربما مرت هذه الأخطاء عفواً أو خطأً طباعياً وهذا لا يجرح الشاعرية في الديوان ولا ينقص من قيمته وقيمة الشاعر " محمود مفلح " الذي نهلنا من أدبه وشعره كثيرا  وغردنا به وتعلمنا منه .







Share To: