صوت الشيخ محمد رفعت يتسلل بعذوبة  وخشوع وسكينة إلى أذني أنصت له وكأني استمع لهذه الآيات من القرآن الكريم لأول مرة والتي : بدت واضحة المعني وكأنها كشفت عن نفسها تتسلل ويمتلئ بها الوجدان تقشعر لها النفس، لعله صفاء الروح أو تأثير الصيام الذي يجعل سلطة المعنوي والروحي أقوى من المادي والحسي على المتلقي ، و مما ساعد على تمثلها بوجد ونشوة تسيطر على النفس أشبه بحالات الصوفية هو: صوت الشيخ رفعت فأنت تستطيع أن تقرأ هذ الآيات وتنفعل بها ومعها ولكنها لن تسكن حشاك وتستقر في وجدانك وتتسلل لأعصابك وتطرب لها مسام جلدك إلا بصوت الشيخ رفعت فقد خلق ليقرأ القرآن حتى تشعر أن الكون يعزف و يردد خلفه وعلى صوته سيمفونية من نشيد روحي مقدس يغمر الخلائق وهو يربط الأرض بالسماء بصوته العذب الشجي.. ارتبط القرآن وسكن وجداني بأحد أمرين منذ الصغر: بشهر رمضان و بصوت الشيخ محمد رفعت .  طقس مقدس قبل الافطار مباشرةً  وفي أحد أيام الشهر  تنتظر أسرتنا الصغيرة أو تتعجل مدفع الافطار رغبة مصحوبة  بتمتمات وهمهمات من أدعية وأمنيات كبيرة  وكثيرة يطلبها الجميع من رب العباد في قابل الأيام..
يخترق أصغر  أولادي الصمت  ويقطع الاسترسال موجها حديثه إلى هل أحضرت  الكنافة و المكرونة  التي طلبتها منك؟ قلت له:
- بل جئت بفاكهة اليوم على رغبة  إخوتك ثم مداعبا له حتى لانمل من الكنافة والمكرونة أكثر أيام الشهر فغضب  كما اعتاد ويفعل الصبية الصغار لأن رمضان عنده عبارة عن مدفع الافطارو كنافة ومكرونة وأحيانا بلح الشام  ومسلسلات ثم شردت بذهني عدة دقائق أو لحظات وأخذت أتذكر من خلال قراءاتي في كتب التراث عن رمضان والأطعمة التي اشتهر بها الشهر الكريم ،و من هو أول من صنع الكنافة وأعتقد أنه إن لم تخني الذاكرة: الطبيب الخاص لمعاوية ابن أبى سفيان "الحارس ابن حلزة " عندما أشتكى له الخليفة أنه يشعر بالجوع  فى نهار رمضان أثناء الصوم فأبتكر له طبيبه هذا النوع من الطعام ليتناوله فى السحور حتى يظل إحساسه بالشبع مستمرا معه لفترة طويلة نسبياً من النهار.
ومما يروى أن هذا الطعام الجديد والذى أطلق عليه بعد ذلك الكنافة أنه حقق نتيجة مدهشة  نالت إعجاب: خليفة المسلمين معاوية رضى الله عنه...
فخرجت من شرودي وتجولي فى التاريخ على قرع شديد على باب البيت ففتحت فإذا بطفل يناولني على عجل  علبتين من حلوى رمضان واحدة منهما كنافة، والأخرى ومكرونة  ثم قال:
- تفضل يا عمو الحلوى التي طلبتها من بابا الفتي يلهث بأنفاس متلاحقة وكأنه يجري منذ عدة أعوام منصرمة فسألته عن ثمنها ؟ فتناوله من يدي ثم انطلق كسهم طائش طوى بعدها مباشرةً درج:  السلم تحت قدميه لأسفل البيت في قفزات  سريعة خاطفة فهو الرشيق الذي لا يحمل إلا عدة كيلوات من اللحم على عظمه وقليلا من سنين العمر، لا أعتقد أنه سمعني و أنا أطلب منه أن يبقى ضيفنا على الإفطار....لا أعرف الطفل ولا والده... دخلت بالكنافة والمكرونة على الأولاد ففرح بها الصغير فرحا شديدا وظنوا أننى كنت أمزح معهم واعتقدوا أننى أوصيت بها ولكنها تأخرت وقال أكبرهم عمرا وأكثرهم جدلا وكأنه سوفسطائي بارع بالطبع  قديم من تلاميذ جورجياس البيزنطي بعد أن شاهد العلبتين  : نحن الآن فى رمضان بحق وحقيق  وقال أصغرهم سنا وأعلاهم صراخا وبكاء وضجيجا: الله أكبر ومعها أنطلق الأذان .

اكتشفت بعد فترة بطريق الصدفة أن الكنافة والمكرونة جاءت إلينا بطريق الخطأ وكانت مرسلة لبيت آخر ولكن الولد الصغير أخطأ العنوان وكان والده  يأتي بها من عند أشهر حلواني بدمياط ثم يوزعها على أشخاص بعينها بعد اتفاق مسبق بينهم : ليرتزق منها... أتى ابنه لبينتا  بطريق الخطأ...






Share To: