كنت كمن كان في مهمة سرية ،أو تم تكليفه شفهيا، وفي ظروف خاصة وغامضة ، من قبل رئيسه الأعلى  بتنفيذ أمر  غاية في الأهمية والخطورة، وفي أقصي سرعة ممكنة ،بدقة ونجاح .
حملت الشنطة وأنا كلي نشاط وحماس ،تأكدت من وضع الكرنبة داخل الشنطة  ،وأنا أسأل نفسي، تري ما سر بقائها هكذا، صامتة ومستسلمة؟ بلا حراك، هل ماتت؟ ،بعد أن كانت في أبهي صورة لها وهي في الحقل ،تنطق بالحياة، وتشع بهجة وسرور في نفس المشاهد . الآن، جاءت اللحظة الحاسمة ،لتتحول في دقائق قليلة إلي أوراق طرية  بفعل الماء الساخن داخل وعاء من الألومنيوم ،ثم ليجلس نساء العالم حول الطبلية المستديرة، ويقمن بعمل أصابع المحشي ،ثم يضعنه  بعناية ونظام داخل وعاء جديد. أي مأساة تلك!؟ هل هذا هو المصير ؟هل إنتهت دورة حياتها عند هذا الحد ؟من الحقل إلى الجحيم  !،ألم يكن من المنطقي أن يترك الكرنب لحاله في الحقل؟ ،حتي يستمتع المشاهد البريء بلونه الأخضر البهي الجذاب ، عدت أسأل نفسي مرة أخري، وكأني أعاتبها، من يضاهي الكرنب في لونه الملفت ،واستدارته المغوية؟ يالا ضعف البشرية ،وقسوتها علي نفسها . تذكرت فجأة أني في مهمة، وعليه يجب أن أنحي العواطف جانباً، وأن ألعن الفن مؤقتاً برغم أنني لم أستطع  إيقاف شلال التداعيات والصور  من رأسي! 
كنت قد دفعت بثمنها  للبائع، الذي بدا عليه الحزن والملل ،لا أدري لماذا ؟لكنه أعطاني الباقي دون ان ينبس ببنت شفه .قلت لنفسي :ربما هو حزين علي ماسيؤول إليه حال الكرنب ،إلي تلك النهاية المفزعة! .ودعت الدكان بخضرواته الكثيفة ، والموجودة بوفره ،ألقيت نظرة وداع أخيرة علي الجزر الأصفر الشهي والفلفل والجرجير والبطاطس ،ثم حملت الشنطة حزيناً ودموعي تكاد تسقط ،و توجهت نحو المنزل  .في الطريق ،كانت قدمي ترتطم بالزلط والطوب، بفعل ثقل الشنطة ،ناهيك عن حزم البقدونس والشبت المتراكمة بجانب الكرنب. كان الجو حارا  ،فلم أكن ألتفت لأحد أو لشيء، كان كل همي إنهاء المهمة بنجاح ،والوصول بالكرنب للمنزل بسلام  ،كنت أعد  الخطوات وأنا اتحسس بأصابعي نتؤات  علي نقوش جدارية عارية بالقرب من مصنع المخلل (الطرشي) ،وعندما اقتربت من بوابة المصنع   الحديدية ،سمعت من يصيح وينادي بإسمي، فإلتفت :
محمد سعيد ...هيه... هيه ...محمد سعيد ،قال بصوت مرتفع  :أنت أفضل ثالث شخص، بعدي طبعا  ،ثم إقترب كل منا من الأخر، ووجدت وجهه يلمع كمن خرج من توه من عند الحلاق، ويستعد لأداء دور تمثيلي في مسرحية كوميدية  ،فاثنيت، علي الفور، علي حضوره ووجاهته وبهاء الطلة  ،ولم أنسي نصيب بزته الخضراء الأنيقة من الثناء ، ثم مر من أمامي بخيلاء ، وهو يقول بعنجهية   :مع السلامة يا أنت! .تركته علي الفور ،وإن داخلني شعور بالضيق ،حاولت تذكر السبب فلم أعرف، لكن عند  وصولي مدخل العمارة ،تذكرت قوله :أنت أفضل ثالث شخص بعدي، طبعا  !!،قلت لنفسي :  شخص مغرور ،لا تبالي يا أبو سعيد ،ربما لمح ما بداخل الشنطة ،فأراد أن يهذر معك حتي تقول له :تعال تغدي معنا ،عاملين محشي .لكن عندما فتحت باب الشقة ثم حكيت لهناء ،قالت جادة :مصنع الطرشي يطلب عمال ،ربما يريدك أن تعمل معهم ،وأنت معروف بجديتك وإخلاصك  في العمل .قلت لهناء :لكن لماذا لم يحدثني بطريقة مباشرة ؟قالت :ربما خجل منك ،وأراد أن تفهم وحدك !!
قلت لهناء :وهل تعتقدين أن صاحب مكتب الترجمة الذي أعمل معه سيتركني ،هكذا بسهولة ؟قالت هناء : سيبها علي الله .
تركت هناء في المطبخ تلف المحشي ،وأنا كلي  حيرة ،هل أترك مكتب الترجمة؟ ،وأعمل في مصنع الطرشي ،ماذا أفعل؟أغلقت التليفزيون، ثم توجهت للثلاجة وأغلقتها أيضا. ثم أغلقت شباك الحمام الداخلي،وذهبت للنوم حتي يطيب المحشي.






Share To: