في الحين التي تمتلئ فيها معدتي ينتابني شعور أنني خنتُ الفقراء بالتخلِّي عن مشاركتهم قرقرة البطن ، أحاول ألَّا أقع في هذه الخيانة لكنني أفشل و بلا ذريعة أرضى بها ، أذمُْ نفسي بعد كل وجبة غدقة شبعتُ منها ، فقد بتُّ أتعمد ألٌا تزيد عن ثلث جوفي ، و أجد لذة الجوع خير من التُخمة ؛ هكذا أشعرني بالإقتراب إلى هذه الفئة المكافحة و الأكثر إحساسًا بما حولها و الغنية بذاتها ، بعكس أولو الطبقة الزاخمة أكراشهم و التي تفقدهم الشعور بالإنتماء إلى المستويات الأخرى من البشر ، تطول قلوبهم بالكِبْر كلما أطالوا أحزمة بنطلوناتهم إلا قِلة فيهم ، حذار فيَّ وطيد مِن فقدان التوازن ، فأنا مجرد إنسان مهما كنتُ واثقًا مِن ذاتي - فـ بالوقت ذاته - أنفي ضمان نفسي مستقبليًا و ليس هناك إيمان عن وجود بداخلي طبيعة ميتافيزيقية بل هناك الماورائية ، و الوقوف خلف كل تغيُر في الإنسان هي أشياء و لو كانت فيسلوجية مادية فلا يوجد فعل بلا فاعل ، كما أن تقلُّب الطباع مرن في الإنسان مالم يبقى محافظًا على نفسه ، أستنكر مَن ينسُب كل بقاء الطبع إلى الأصالة و العِرق ، إنما الإلتزام في الطبع يذهِب التطبُع و إن كان الشخص لقيطًا ، بقى الشوائب النتنة تنعج المكان النظيف برائحتها إن لَم يتفادها أحد ، و جوف الروح يُحافَظ عليها مِن عفن الناس و المواقف المعدية و المشاكل المؤثرة و كذا المغيرات البدنية لهذه الروح.
و عن السبب الآخر في حذاري اليقيض من إختلال التوازن فالمسبب أهم مِن السبب ؛ لا يُمكنني التراضي بما يفوق أولئك الضعاف أو أعتلي عنهم بـ سَنْتِي مِن التشبُع و إدعاء الكمال عليهم ، بل هم في إنبهار منِّي على إرتقاء مكانهم و خلوّ ذنوب الآخرين فيهم .
أعود بالتفكير عن رجع ما أعمل به مع نفسي لِما سيفيد الجياع ، فجوعهم لا يسمن و لا يغني من بعض جوعي الذي فرضتُه عليَّ.. هو حقًا غير معطيهم أي شيء مِن احتياجاتهم المادية ، لكن في الطرف الآخر عند الإفلاس المادي هناك شيء اسمه ثراء معنوي يمتلكه الجميع و يبخل به الغالبية عن المشاركة ، و هذه المشاركة لا أحد يستطيع الوصول إليها ما لم يشارك غيره شيء يخلق له مشاركة الشعور بالآخرين حينها سينعِم بأي ما يمتلكه ماديًا حالما يمتلك ، و نختصرها في كلمتي" تهيئة الذات" ، و هكذا أتعقب وراء ما تجنبته على نفسي كـ كنز ألقاه مستقبليًا خلف هذا الحرمان.

يُعرَف دومًا سوقط أوراق الأشجار في الخريف بأسباب مناخية كـ قلة الأمطار التي كانت تغذيها في الصيف و هذه أسباب طبيعية لا يُختلَف عليها البتة.. 
الآن إنسان شاب يسقط كورقة الخريف ، ليس سقوطًا معنويًا بل سقوطًا جسديًا ، و أيصًا ليس سقوط مقتول على أرض معركة بل سقوطًا مِن عوامل بشرية محيطة به ، حل عليه زمان الخريف في بلاده..
جاع 
سقط 
أُغمي عليه..
افترش ظَهره الرصيف.. 
دعوه يتنفس و ابتعدوا قليلًا من حوله و أنتَ إذهب و احضر العصير و أنا سأستفيقه بالماء القليل على وجهه ، كانت أصوات الناس المتجمعة حوله.
عيناي تتوسع حدقاتها.. أقطع الطريق دون إلتفات يمنة و يسرَة.
أُستُفِيق..
أسئلة تباشره مِن الناس :
- ماذا بكَ؟ من أين أنت؟  أين تسكن؟ 
بعد عودة وعيه أجاب بالسبب :
-جِعتُ.. 
تساعده الناس و تحفزه :
- اشرب العصير ثم الماء و الكيك بعد أن تستريح ، و الآن قف لتذهب لتلك الزاوية سنساعدك على النهوض كن قويًا أنت رجل و لست بطفل.
دَس بعض الأشخاص المال في جيبه - و هو يستحي- ليعود إلى حيث يسكن في "آنس".

لا نبحث عن الآلآم بأكثر مما نعيشها ، لكن يتمحور التعليل في عوامل بشرية سببها مَن عِنده صيف لا يرى الخريف على غيره.







Share To: