قرأ عن مسابقة أدبية في القصة القصيرة، منشور مرفق بالصورة أدناه، والمطلوب إستلهام وقائع منطقية وواقعية لقصة قصيرة، وذلك لنيل لقب كاتب الشهر؛
طبع الصورة وذهب لثري يعرفه، يجمع اللوحات والتحف والأثريات، عرض عليه الصورة وبدأ في تفنيدها؛
إسمها هيولا.....
والهيولا عند اليونان قديما تعني الأصل في الجماد والحيوان والنبات، لا تصفه صفة في ذاته، بينما يجب أن يكون بتصور وهيئة حتى يمكن وصفه، حتى يتعين التعبير عن أصل ومادة، والرسم في الصورة هو تصور الرسام للعودة، العودة إلى الأصل والفطرة إلى المادة الأولى، الهيولا؛
- ما رأيك؟
....نظر له الثري نظرة فوقية تقول إن قالت، أيها الركيع المتذلل، يا لك من أبله، ثم إستحضر دروس الإتيكيت وأساليب المعاملة الراقية التي تربى عليها ورد بنبرة هادئة ذكية؛
=لا يسترعى إهتمامي إلا ما خلفه الإنسان وراءه، الإنسان فقط بالنسبة لي هو جوهر كل ما له قيمة، كم عمر اللوحة؟
.... نظر من حوله، لوحات من شتى بقاع الأرض، كلها معروفة إلا لوحة تبدوا زاهية الألوان، إقترب منها ببطئ، راهن بينه وبين نفسه أن ملمسها كاد ليكون رطب، إقترب أكثر، كاد أن يلامسها، حتى نهره الثري من خلفه لا تفعل رجاء، ونهاه عن لمسها، إبتسم بخبث وإستدار وسأله؛
- كم عمر اللوحة؟، أظن أنه أيام، العماليق من الزاوية، أظن أن هذا أخيل، نصف بشر ونصف إله، أهذا نسر زيوس، لا إنه مجرد نسر، حكايات هوميروس طاغية هنا، كم عمر هوميروس أو أخيل؟، غير أن تلك لوحة مقلدة عن سيبسيان رسام الإغريق دون بعض الإختلافات، فإن تصورنا يا سيدي أن تلك اللوحة منطقية في جمعها لجميع عناصرها، فلوحتي هنا أكثر منطقية وصلابة في عناصرها، بل وطاعنة في القدم أكثر من تلك، حتى وإن كانت لم ترسم بعد!!؛
إنظر، تحيلني إلى الإنسانية وجوهرها، وما جوهر الإنسانية إلا في نشوبها بقلب ولد قوى يافع، يمسك حريته بيده بل ويخيرها أن تنطلق للمطلق للسراب والعدم، أو تنتظر بين يده التى ترفعها وتقدسها لتكون بقيمة قيمته وقدسيتهما معا، ولا يتورى عن المشهد يده المستندة على طبيعة مقودة ومروضة ترضخ لإعتلائه ضهرها، وخطه الزمني الموصول بحبل عمره، عمر إنسانيته القصير، والموصول بالقفص، جل ما أنجزه من خيبات وإنتكاسات، الطبيعة وعمره ومنجزه، كل هذا كاد يكون وراء ظهره، خارج إهتمامه، والذي يتركز على إستبصاره حريته، ذلك رغم الغيوم من حوله، وإحتراقات الأزمان حتى وصل لتلك اللحظة، العودة إلى حريته، قبل أن يكتشف ويجرب ويجوع ويظمأ ويصطاد ويظلم، قبل أن يمارس إنسانيته، حين كان معنى مكرس للهيولا، أصل مادته،حريته؛
.... بدى الرجل الثري أن يقتنع، لكن جملة واحدة ظلت تتردد في باله، حتى وإن كانت لم ترسم بعد!!، ماذا يقصد هذا المعتوق؛
=تقول أنها لم ترسم بعد؟، هل ستكون نسخة عن أصل موجود لرسام مثل سيبسيان على حد قولك.
.... إعتلت وجهه غمرة إنتشاء، إلتقط أنفاسه المترامية بعد خطبته الجلية، وأخذ يجمع شتات الأفكار الذي ألقاها أمام الرجل؛
- هذا بيت القصيد، عليك أن تصدقني، لا أريد منك مال أو حتى تعب ومغالبة في التفكير، أريدك أن تقتنع بوجودها أصل ونسخة، معنى وإقتباس، هي أصل واحد ومعنى واحد لا وجود لمثيل لها.
.... إحمرت عين الرجل الثري وبدا يطلق شرارات الغضب هنا وهناك؛
= لا أفهم شيء، أنت إما محتال تبغي أموالي، رغم إنكارك، وأنا عرفت الكثيرين على شاكلتك في حياتي، ومازلت أري صلبانهم أمام عيني تحمل معانتهم من نقمي عليهم، أو أنك مجنون ، لا أفهم!!، وقبل أن أقيم عليك عقابي ففي الحالتين أنت آثم ووجب عليك إنتقامي أفهمني قبل أن أحل عليك بعذابي.
تلعثم ، فمهابة الرجل والتفكير فيما يستطيعه هزته من الداخل، إسترد صلابته ونظر في عينه؛
-أريد فقط إيمانك بروايتي، إن قلت أنك صدقتني دون أن يكون ذلك نابع عن حقيقة داخلك فأنا هالك، ولن يفرق عذابك إن وقع علي كثيرا.
شعر الثري بغيظ وإستفزاز، ضرب كرسيه بقوة، نظر في عينه نظرة جفلة، إستدار ومشى عدد من الخطوات، إستدرك بعض الدهاء والفطنة وقال؛
=لا أستطيع إنكار أني راغب في تلك اللوحة بأي ثمن، أرغب في إمتلاكها أو حتى أمتلك سمعة إقتنائها بيوم من الأيام، أظهر لي شيء مادي يقنعني ولو قصاصة صغيرة من قوامها، وليس مجرد صورة أخرى مطبوعة.
رد على الفور؛
معي قصاصة منها، أو بالأحرى أقصوصة، بدوت يا سيدي أنك تصدق، جربت إلهامي معك وصدقته، لا شك أنني فائز.
على صوت الثري ، أيها الفاسد،أين برهانك، أين القصاصة، بما فزت يا أحمق؟
-كاتب الشهر ياسيدي
Post A Comment: