مدخل عام :
من الفنون الجميلة التي ظهرت مع الإنسان هو الشعر، وهو الذي يترجم  بدقة عالية  صور الحياة  المتعددة لأن كل كلامه يجسد  روح المعنى  . واشتهر العرب منذ القدم بالتعاطي لهذا الفن الراقي  حتى أصبح له أهمية كبيرة ،حتى أضحى الموسوعة  التي تحتوي كل الأخبار والقصص    كوصف   : الخيام والرحلة  ، ووصف الحيوانات ورحلات الصيد ، والحروب ، والمدح ، والغزل ، والهجاء ، والرثاء وكل ما هو مرتبط بالحياة المعيشة  ، ولهذا سمي  ب( ديوان) العرب  .
ولقد مر بعدة مراحل نجملها فيما يلي  :
١- شعر صدر الإسلام
٢-شعر العصر الأموي
٣-الشعر العباسي
٤-الشعر الأندلسي
٥-الشعر العثماني
٦- الشعر الحديث 
وهو الشعر الذي  تخلى عن القافية والوزن ، والذي سيصبح  عبارة عن شعر حر  تتجسد كلماته  باستخدام مفردات وكلمات لها معنى ومغزى عظيم ، والمنتشر بشكل واسع بين شعراء أواخر القرن العشرين  .
وقد تبنى هذا الطرح شعراء الحداثة   ومن بينهم الشاعر أدونيس الذي جمع بين الثقافة العربية الكلاسيكية  والحديثة المعاصرة  ،كما يعتبر من بين أهم النقاد الذي وضع أساسيات شعر النثر  .
وقد تعاطى لهذا الشعر جل الأقلام الحديثة حيث انتشر في الوطن العربي بشكل سريع وبديل للقصيدة العمودية التي تتطلب الاتقان والصناعة  واحترام الأوزان الشعرية  .

الشاعرة :
وبين أيدينا شاعرة مبدعة موهوبة  خديجة ناصر  اعتنقت الكتابة الشعرية برغم  تخصصها هو الترجمة العلمية ، إلا أنها دخلت عالم الكتابة من تجربتها الشخصية وتفننت في شعر الهايكو والنثري الحر لتصدر  ديوان شعر عنونته  بعنوان  :    *  همس المساء  *.

دلالة الغلاف :
وانطلاقا من دلالة الغلاف الملون بعدة ألوان والتي يغلب عليها طابع اللون الأحمر ؛ الذي يعتبر أحد الألوان الرئيسية الثلات الموجودة في الطبيعة  .
يعتبر اللون الأحمر لون ناري يرتبط بشكل أوتوماتيكي بالعاطفة والمشاعر  ، نجملها فيما يلي  :
الفرح ،القوة ،الحب،العاطفة،الرومانسية ،الشوق ،الشجاعةالقيادة ،العزيمة،الحماس ،الاندفاع ،النشاط ،التصميم ،إلى غير ذلك  ، إضافة لارتباطه بالطاقة والجرأة . وليس هذا فحسب بل يمكن اعتبار اللون الأحمر أحد أنواع الألوان الملفتة للنظر ، بحيث يتم استعماله بشكل كبير للتنبيه عند الحالات الخطيرة والطارئة .
كما لا يمكن أن ننسى  أن اللون الأحمر يرتبط ببعض المشاعر السلبية ، خاصة عند النظر إليه بكثرة ، ومنها تقلب المزاج والانفصال ، والغضب  ، والسلطة  والقمع والعدوانية  .
وفي أسفل الغلاف توجد  ألوان أخرى كالأصفر والأزرق الممزوج ببعض الألوان الأخرى  . وعلى يسار الغلاف نجد شجرة النخلة ، وللنخلة  عدة قراءات منها  : تشبه المرأة كدلالة الجمال ، ولقد جعلت القبائل العربية من النخلة  إلاها وكانت تلقب بعثر أو عتير ،إذ كانت رمزا دينيا في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا وكانت روحها تدعى  عتيرة أو صديقة .
والنخلة رمز الصبر والتحدي وتحمل الحرارة  .

دلالة العنوان  :
أما دلالة العنوان  الذي هو مفتاح الديوان  :  *همسة المساء * مركب من كلمتين همس / المساء 
والهمس هو كلام خفي  ، نقول يطأ الأرض همسا  ، بمعنى يطأ الأرض وطأ خفيفا .
والهمس  هو الصوت الخفي  . وهمس الأقدام أخفى ما يكون من صوت القدم  .
والهمس لغة  هو التكلم بكلام  خفي لا يكاد يفهم  .
واصطلاحا هو الخفاء في السمع نتيجة انفتاح الوترين الصوتيين وعدم اهتزازهما وجريان كثير له إذ النفس  .
وقد يقدم العنوان الشرارة الأولى للإعجاب إذ يعتبر مدخل من مداخل الديوان الشعري  .
وطبعا هناك علاقة وطيدة بين الهمس والمساء لارتباطها ارتباطا دلاليا في المعنى والمبنى ، وغالبا ما يكون الهمس مرتبط بالمشاعر والأحاسيس الجياشة والوجدانيات إلى ما شابه ذلك  ....

الثيمة   :
وبالرجوع إلى تيمة الديوان   :  *همس المساء "
فالموضوع العام هو موضوع وجداني ، منبسط على عوالم شاعرية ملفتة ، تتدفق برموز  ، مرتبطة بذات الشاعرة ارتباطا وثيقا ، وتكاد الشاعرة تحكي ما بداخلها ، مجسدة همومها برؤية فنية قريبة من واقعها المعيش ، متحملة مواجهة الحياة  والعوالم الداخلية  ولو في صمت .

البيئة الشعرية. :
أما عن البيئة الشعرية  ، فالشاعرة تتحلى بثقافة معمقة مستفيضة ومتميزة  انخرطت في القراءة منذ صغرها وارتقت في وسط تعليمي زادها خبرة وتجربة  ، كما ارتوت من  تعاطيها  للإبداع ، وبالأخص بانكبابها على الترجمة لعدة كتب من العربية إلى الفرنسية ، وتنغمها مع شعر الهايكو الجميل الذي ألفت فيه ديوانا تحت عنوان  :  *على جدار الصمت*؛ وكذا بانخراطها في عدة ندوات وملتقيات جعلت منها شاعرة مبدعة ، حيث كونت شخصيتها الأدبية بقوة  وشغف   مكنتها من التربع على الكتابة الشعرية الراقية بامتياز  .

اللغة :
والمتتبع لكتابات خديجة ناصر يجدها تكتب بلغة جميلة لافتة  ، بأسلوب مقروء ومعبر  ، تحاول اقتناص لذيذ المجالات بامتطاء الترميز ، تحرك كوامن النفس ، ،تعانق التأويل والبهاء ، تجعلك تعيش من جمال الخيال الشعري ، تخاطب المتلقي بمتعة جمالية وبتغريدات  شعرية شاعرية  . إنها تعيش مع متغيرات العصر الحديث  وحداثة الشعر ، كما أنها بأسلوبها تؤجج الجمال الدال للكلمة بصورة جموحة  ، لها بلاغة دقيقة المعنى والدلالة . كل هذا جعل من أسلوبها أسلوبا تعبيريا مقدرا ، كما لا ننسى أنها وظفت أسلوبا  حيويا يهيم بالقارىء  في عالم الروح بذات قلقة مع إحساس بالغربة المضمن في تراقص هسيس الكلمات الدلالية  والمكنون الأغوار  .

الخلاصة. :
في الحقيقة  فالشاعرة أوالهايكيست  "خديجة ناصر " شاعرة متميزة ، لها تجربة مذهلة ، انغمست في عوالم مطيتها المتخيل ، عزفت شعرا أنيقا  ، واغترفت حد الثمالةمن فيض  إبداعاتها  لتشكل نصوصا بهية وارفة بتدبر صوفي راقي جدا .

✓ بقلم   : علال الجعدوني المغرب .






Share To: