انساك ؟! وكيف انساك يا روحي..
يا لهول تلك الصدمات يا جدي..
قبل رحيلك إلى دار النعيم كنتُ اعلم جيدًا دنو أجلك، وعلم قلبي أنها النهاية..
وتأكدت قبل فراقك بلحظات قصيرة إنه الرحيل الذي لا مفر منه؛ عندما قالت امي اتركني وحدي..
لم أستوعب ماذا تقول!!
حدثت نفسى في تلك اللحظات أكثر من مرة، فتحت الباب ودخلت مرة أخرى وجلست بجانبها، قالت اتركني، ولما
يا امي..
قالت بصوت يملؤُه الأسى وكل الوجع بلهجتنا العامية «خلاص كدا يا حسين.. جدك تعبان خالص»
قلت لها «يعنى ايه!!»
كانت تلك الكلمات التي كانت تقولها في ذلك اللحظات.
رأيت أصابعها وعينيها تتورم!! لم أستوعب لما كل هذا!!
ولكني سأعلم بعد سويعات قلائل أن جدي مات في تلك اللحظة.
ذهبت إلى حجرتي لأضجع مثلما افعل كل يوم..
فكرتُ كثيرًا كثيراً قبل نومي لم أستريح قط ظللت جالساً مدة ليست بالقلية وكنتُ أعلم أن جدي سيرحل في تلك الليلة ولكني كنت أكذب نفسي. حتى غلبني النعاس، وبعد ساعة.. استيقظت على صراخ الدموع التي تنهمر من عين امي وتلك الهمهمة الشديدة ، ومواساه أبي وتلك الأوجاع التي ما زلت أشعر بها إلا الآن، كان هذا اشد يوم مر بي حقًا يا جدي..
لم أصدق تلك الدموع وتلك الهمهمة لم أصدقها حقًا، صمت قلبي في تلك اللحظات لم أصدق تلك الدموع..
كذبت نفسي.. كذبت تلك الدموع
حتى قال لي ابي: «البقاء لله جدك مات يا حسين» قالها ابي لكني كنت اعلم قبل أن تخرج من ثغره!!
لم اعلم لما قالها!! كنت اعلم جيداً من دموع امي وجلستها المقرفصة..
لم ترحل يا جدي لم ترحل من قلبي ومن بيتك ما زالت رائحتك تكسو البيت، حجرتك ما زلتُ اسمعك فيها
اخر موقف واخر نظرة.. اخر مرة غسلتُ قدميك فيها
اخر قبلة اعطيتها لك وتلك الأحضان الأخيرة..
آه.. ثم آه.. ثم آه.. يا جدي
لا أدرى ما اقول يا جدي تلك المصيبة المؤلمة لم أصدقها إلى هذه الساعة..
جئتني في الحُلم وتلفظت بالشهادة، ايا جمال حسن الخاتمة هذه يا جدي..
ويا جمال وجهك، عندما دخلت الى حجرتك وكشفت عن وجهك رأيت بياضً وبشاشة غريبة لم أرى تلك البياض الشديد هذا على وجهك من قبل. ايا جمال وجهك الذي تحول إلى وجه القمر وتلك النضارة والرُواء، وثغرك الذي رأيته مثل اتساع السماء.
آه من وجهك عندما رأيته وآه عندما بكى خالى الأكبر قائِلاً: «شوف وش جدك ابيض وجميل ازاى يا حسين»
آه يا جدي آه..
كل اللحظات التي قضيتها، كل المواقف التي رأيتها منك
ما زالت تتمثل أمامي كل حين أصبحت غشاوة على عيني
يا جدي..
ستظل ذكراك في القلب دائما ولن تمحى وستبقى امامي
كل السنون..
ستظل رائحتك العطرة امامي يا جدي، ستظل حجرتك تسكنها وتسكن كل أوردتي.
حسين صالح حسين..
١٠ جمادى الأولى ١٤٤٣ هـ
Post A Comment: