من عظيم ما جاء عن خُلق العلماء وخوفهم من أن يتعدّوا حدود الله، وحُب الناصحين وحُسن الانتفاع .

 تلك القصة من سير أعلام النبلاء :

قال أبو الربيع محمد بن الفضل البلخي : 

سمعت أبا بكر محمد بن مهرويه الرازي ، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد ، سمعت يحيى بن معين يقول :

 إنا لنطعنُ على أقوام ، لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة ، من أكثر من مائتي سنة .

قال ابن مهرويه : 

فدخلتُ على عبد الرحمن بن أبي حاتم ، وهو يقرأُ على الناس كتاب : 

" الجرح والتعديل " فحدثته بهذا ، فبكى وارتعدتْ يداه ، حتى سقط الكتابُ ، وجعل يبكي ، ويستعيدُني الحكاية .

قلت (الذهبي) :

 أصابَه على طريق الوجل وخوفِ العاقبة ، وإلا فكلامُ الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله ، والذب عن السنة .

🌴قلتُ هكذا واللهِ كانوا يرون الكلام في الناس :

أنه مُحرّمٌ إلا عن الحاجة وبقدر الحاجة
وحتى يكون جائزا وعملا صالحا يجب أن يكون:

لوجه الله ونُصح المسلمين، ليس تعييرا ولا تشهّيا ولا عصبية ولا تحقيرا ولا شيئا من الأهواء .

لم يقُل ابنُ أبي حاتم لذلك العابد الذي جاء يُنكر عليه مع أنه ليس من أهل الحديث لم يقل له : 

اسكت يا جاهل ؛ يا معتوه يا غبي يا سفيه يا إمّعة يا كذا .

مَن أنت لتنصحني ، أذهب فتعلّمْ أولا إلى آخر قاموس الشتائم الذي جعلوه جزءا من صفة طالب العلم .

بل استطاع رحمه الله أن يستخلص من كلامه موعظة ينتفع بها في نفسه :

فلعلّه تذكر بها حرمة عرِض المسلم مما يجعله : 

يتثبتُ في الحكم عليه ، وأن يراجع نيتَه في الكلام في الرجال ، وأن يقتصر على موضع الحاجة ولا يزيد ونحو ذلك من المعاني العظيمة .

وأساسا فابنُ أبي حاتم رحمه الله هو من أئمة العُبّاد فلذلك انتفع بتلك الموعظة لأنّ بها جانبَ حقٍ وهو حُرمة عرض المسلم، وإن كان ذلك المُنكِر وضعها في غير موضعها .

لكن مع ذلك استطاع أن ينتفع ابن أبي حاتم منها .

وهذا والله من توفيق الله لعبده أن يجعله ينتفع بكل ما يمكن أن يكون فيه نفعٌ .

وألّا يحمله جهلُ الجاهل الذي لم يُحسن القول أو اشتدّ في العبارة على أن يحقره أو يُعرض عن نصيحته أو يغفل عن موضع المنفعة من كلامه .

وبهذا واللهِ سادَ أولئك الأئمة لا بمجرد المعرفة والذكاء والاجتهاد فأبصِرْ طريقَك!

وكلُ من استجاز لنفسه الكلام عن الناس ولم يتخلّق بذلك ولم يحاسِب نفسه على كلامه فوالله ما يزدادُ به إلا إثْمًا وما هو بعملٍ صالح بل هوى نفسٌ كُسِي زورا ثوب العلم والنّصح! 

فاللهم ربنا اهدنا للحق واشرح صدورنا له واجعلنا ممن يُحب الناصحين .






Share To: