قد علَّمنا دينُنا جميعَ الحقوق، ما لنا وما علينا، ومن هذه الحقوق: حق الطريق، فمن التزم بأداء حق الطريق، سلِم من الإثم وسلِم الناسُ من شره، فما حق الطريق ؟
جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
«إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
«فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ»، قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ:«غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ».
يقول النبي ﷺ لبعض الصحابة لما رآهم يجلسون في الطُّرقات، قال: إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا بُدٌّ من مجالسنا، يعني: نحتاج إليها، نتحدث فيها، فقال: أما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقَّه يعني :
إذا كان لا بدّ من المجلس فأعطوا الطريق حقَّه، ترك المجلس في الطريق أولى وأبعد عن الشر، لكن إذا كان ولا بدّ فالواجب على مَن جلس في الطريق أن يُعطي الطريقَ حقَّه، قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال: غَضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هذا من حقِّ الطريق: يغض البصر عن عورات الناس، لا ينظر إلى عورات الناس ويتتبع عوراتهم بالنظر.
الثانية: ردّ السلام، وكفّ الأذى، لا يُؤذي الناسَ في الطريق: لا بماءٍ، ولا بعصًا، ولا بحجارةٍ، ولا بغير هذا مما يؤذي المارة، ردُّ السلام على مَن سلَّم.
الرابعة والخامسة :
الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومن ذلك "هداية الطريق" كما جاء في الرواية الأخرى، يعني:
إذا سأل إنسانٌ يدله: دلوني على المحل الفلاني؟ البيت الفلاني؟ يدله، فإرشاد الضَّال من حق الطريق.
ومن حق الطريق:
التنبيه على الأخطار، إذا كان إنسانٌ يمشي في الطريق وعليه خطر يُقال له: احذر، عندك كذا، أمامك كذا. إذا كان يُخشَى عليه: أعمى، أو جاهل يُخشى عليه من ضررٍ في الطريق يُنَبَّه، هذا من حقِّ الطريق.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
هَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الْآدَابِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالطَّرِيقِ، فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاعِيَهَا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهَا إِذَا خُولِفَتْ وَقَعَ الْمُسْلِمُ بِمُخَالَفَتِهَا فِي الْحَرَامِ، فَأَكْثَرُهَا مِنَ الْوَاجِبِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللهُ وَأَوْجَبَهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم.
إذا رأينا في واقع كثيرٍ من الناس، نجد من المؤسف بعضَ السلوكيات التي لا ينبغي لمسلم أن تصدُر عنه؛ منها: أن بعض الشباب يتجمعون عل أرصفة بعض الطرق، فيحضرون معهم طعامًا وشرابًا، فإذا فرغوا من أكلهم وشرابهم، قاموا وتركوا مخلفاتهم على طريق الناس، وربما نثروها يَمنة ويَسرة، ولم يجمعوها ويضعوها في حاوية النفايات، أو أخذوها معهم لأقرب حاوية، لماذا هذا السلوك السيئ يا أيها الشباب، أليس الذي يمر بها هو والدك وجارك وأخوك المسلم؟ فأين حق الطريق وأين حقوق المسلمين؟! ومَنْ يلقي زبالته وقمامته في قارعة الطريق غير مبالٍ بحقوقها، فأين تطبيقه لهذه القاعدة العظيمة!!
كذلك تلك التعاملات المؤسفة التي نراها من بعض الناس في سيارتهم عندما يسيرون في الطرقات يتعاملون معاملة كلها أذية ليس فيها مراعاةٌ للحقوق، أصواتٌ مزعجة وتهوُّرٌ واندفاع وطيشٌ، وعدم مراعاة لأرواح الناس وممتلكاتهم، بل إن بعض الشباب يمشي في سيارته في طرقات المسلمين لاهيًا مندفعًا لاعبًا متهورًا، غير مراعٍ للحقوق، وربما تجد بعض الشباب يقفون بسياراتهم وسط الطريق يتحدثون ساعات طويلة، وقد ضايقوا السيارات المارة وسدُّوا بعض الطريق غير مبالين؟
أيعقل هذا أيها الشباب؟
وهناك من يبني عمارته ولا يبالي بوضع الحديد والأتربة، ونحو ذلك من متطلبات البناء، غير مراعٍ لحقوق المارة، يتوسع يَمنة ويسرة عن غير حاجة ماسة، ولا ضرورة ملحَّة، غير مبالٍ بحقوق غيره.
أو من يحفُر للصرف الصحي، أو يبني مظلة لسيارته، ويضايق بها الطريق، كل هذه الأمور تنافي آداب الطريق. فالواجب على المسلم أن يتقي الله ربَّه، وأن يرعى لإخوانه المسلمين حقوقهم، وأن يحفَظ للطريق حقَّه. فاتقوا الله وأعطوا الطريق حقها وصلُّوا وسلِّموا على رسول الله.
Post A Comment: