ألا تتخيلون أن فرحة الشعب اليمني بفوز منتخبه كانت كقنبلة ذرية انفجرت كـشكل مدمر لأحزانه المتراكمة ثم بعدها هدوء ؟!
هنا.. لَم يتدمر الحزن بداخله ، و لَم ينسَ مآسيه ، و لَم تنفجر منه الهموم و لم تتدمر في حسبانه.. كانت الفرحة مجرد تغطية على شيء يتكبده.
فتلك الومضة الكبيرة هي النتق الآخير مما تبقى له مِن زفير الفرحات ، كان في حلق اليمانيين غصَّة و اختناق أزمات و حرب طائلة اشتدَّت على رقبة حريته ، فوجدوا الفوز الرياضي هو الشهقة و الزفرة الوحيدة لمتنفسهم الذي أتاح لهم توحيد نفَسهم و صوتهم مِن شمالهم حتى جنوبهم ، هم كانوا كثلاثة أشخاص في كهف مظلم يبحثون عن ثُقب ليروا ماذا لدى العالَم خارجًا و في أي عصر يجب أن يواكبوه ، لكل دولة حولهم عنوان جديد يتسامون به بين الملأ ، و هؤلاء اليمانيون كانوا يشعرون بالهوان ، لم يكُ لديهم شيء ليتحدثوا عنه سوى تاريخ أجدادهم حمير و معين و أسعد الكامل.. و مِن جداتهم بلقيس و أروى الصليحي.. و مِن آبائهم إبراهيم الحمدي كل ذلك حديث الماضي ، مفلسين مِن أحاديث و تاريخ الحاضر ، حاضرهم نسخة قديمة غير مُحدَّثة ! بل و تزداد سوءًا بفيروسات الحرب!!
بعد كل هذه الضبابية التي حجبَت عن رؤية بصمات اليمانيين أتت مباراة تُجلِي هذه العتمة ، و بصمة يراها الشعب أنها تمثله ككل رجاله و نسائه و صغاره و كباره و شماله و جنوبه و فئاته و أحزابه المتعدده ، وجدوا شيء يجمع كلمتهم رغم تفرقهم الآني .
في تفرقهم حالهم كحال المغصوب على طلاق حبيبته ، كان ترقُّبهم عن كثب لأصل انتمائهم الواحد فانتهزوا الفرصة ؛ لإشعال فتيل واحد للإحتفالات في شتَّى محافظات اليمن الممزق ، فلو كانت حالتهم على ما يُرام لأقاموا الإحتفال بشكل رسمي في أماكن خاصة و قليلة ، لكن تجاهلوا أحوال أنفسهم الذابلة و احتفلوا ، و ما تدل على زيادة مآسيهم و ضنَكهم مِن الحرب هي المبالغة و العظمة في الإحتفال حتى الطلقات النارية التي هي ممنوعة استُخدِمت و خروج جماعي دون دعوة ؛ لأن السبب كما قال الشاعر اليمني / زين العابدين الضبيبي في كلمات الأنشودة بلسان شعبه : "نكابر و الوجع فينا مِن الآااه للآخِر " .
رسالة واضحة و مكابرة أننا مازلنا نعيش و ما زال طموحنا ينافس رغم أن حالهم مثير للشفقة .
تلك الفرحة المؤقتة تقول ها قد دخلنا التاريخ المعاصر بشيء يثنينا ، و من ركن آخر على أرضهم دمار و تشرد و نزوح و ركام موتى و بساط ممدود مِن جرحى و مواكب أسرى و معتقلين ، اقتصاد دامر و جيش ممزق و مغترب غير قادر على العودة و مسافر غير آمن في بلده و دويلات ثلاث ، عادوا إلى هذه الحالة فور انتهاء ألعابهم النارية.
#عمر_القملي
Post A Comment: