الكاتب الجزائري ميموني علي يكتب مقالًا تحت عنوان "الفن بأنامل شباب الصحراء الجزائرية 3 " 


يوم جديد و شخصية جديدة في هذا المقال البسيط جداً الذي تزينه هذه الشخصيات التي تبدع في فنها وليس علينا سوى الإستمتاع به و من واجبنا الكتابة حوله.

إذا سألتك عن "عين صالح" و قلت ما الذي تعرفه عن هذه الواحة الصحراوية؟
إن أول إجابة سيقولها أي شخص:  مظاهرات الغاز الصخري وبما أن هذه الأخيرة طبعت على واجهة الولاية و تم تأريخها للأجيال فالجميع يتحدث عنها ولا أحد يمكنه أن يجحدها أو يجهلها.

لكن "علي" ما لنا وحديثك هذا؟ أليست مقالاتك تتحدث حول الفنانين؟
وهذا بالضبط ما أريد إماطة اللثام عنه منطقة ذات مساحة ليست بالكبيرة جميلة رائعة مميزة بفنان يدعى "سعيد تيكوباوين"

نعود مرة أخرى "للموسيقى التارقية" التي شغفت بها حباً ولكن الإختلاف فقط في المكان و الشخص ولكن الفن يظل نفسه 
فالحديث حول "سعيد" يختلف تماما عن الحديث حول "صدام"

في أحد أيام سنة 2012 إذا لم تخني الذاكرة كنت أعيش قصة حب المراهقة في مدينة عين قزام آخر نقطة في أقصى جنوب الجزائر  كنت مولعاً بفتاة إسمها "خديجة"        
لطيفة قصيرة بيضاء و وجهها لا يخلو من "البثور" أي حَبْ الشباب 



وشاءت الأقدار أن تفرقنا فقد قرر والد الفتاة أن ينتقل من المدينة وقد تأثرت كثيرا بالأمر تبادلت أنا وهي رسائل الوداع دون لقاء فلا أحد منا كان قادراً على وداع الآخر .

في ليلة سفرهم وقفت أشاهد إبتعاد السيارة التي يركبونها ثانية بثانية ولم يكن يحس بي شخص غير صديقي "يوسف" الذي جائني وقد قام بتنزيل بعض الأغاني بآخر 100 دج كانت لديه
من بين تلك الأغاني أغنية ارتبطت بها ليومنا هذا والله شاهد على كلامي.

"تميديتين ترها تريقست أد مجرد شمبضو نإيسمن جان يولهين آسسنن"
حينها كنت أبكي بشدة لفراق محبوبتي ما جعلني أرتبط مع الأغنية بشكل جنوني لأن "سعيد" كان يصف شعوري بدقة في كلماته وحين قال في أغنيته "ورهي تدويغ تبدين أشل وين جيد تيكلينم آضكول آجيد أفوسنم سرغيد أولهن ستيطنم"

الغريب أنه وصف ما عشته تماماً حين كانت تركب السيارة 
كأنه وقف خلفي ورأى ما رأيت ثم دونه و غناه في هذه الأغنية التي ينقل لنا 'سعيد' حسه الرومنسي المرهف و يحدثنا بمرارة الفراق عن الحبيب من خلالها.

من أكثر ما قد يصعب هو إظهار الإحساس في الأغاني ولكن هو كان يجعلك تصدق أنه عاش معك لحظات ألمك و خذلانك بالرغم من عدم تواجده رفقتك.

الكاتب الجزائري ميموني علي يكتب مقالًا تحت عنوان "الفن بأنامل شباب الصحراء الجزائرية 3 "



"سعيد" ليس مجرد فنان يتلو كلماته على موسيقى بل إنه رجل
 يحمل في كيانه هوية، ثقافة وتاريخ يحولهم لرسالة نبيلة بموسيقاه وكلماته يسافر بك من إحساس بالحب إلى شعور بالوطنية ثم يقودك في رحلة بين ألام الحياة.

يرسم لنا بصوته العذب لوحات عن الصحراء، أبنائها وتقاليدها 
يخبرنا بجهير صوته أن البيداء رغم بساطتها موطن الفن، الإبداع والإلهام.
 
يروي لنا في أغانيه حبه للتراث التارقي وتعلقه بالسلام و إيمانه الشديد بإمكانية توليد المحبة بين الشعوب بالأغنية التي يقدمها دون حاجته للتظاهر كل ما يفعله هو التعبير بما يختلجه قلبه من مشاعر وما يخزنه عقله من أنغام.

"سعيد" مجرد بحيرة صغيرة في واحة عين صالح ولكن لها أمواج ضربت كتسونامي و أخذت مكانها بين أحضان الموسيقى العالمية.
 
عندما يبدأ العزف ومداعبة أوتار الغيتار تشعر بزخات في قلبك كأن الآلة تخاطبك وتبث لك سعادتها حين يلامسها محبوبها "سعيد"

حين نتحدث عن الطموح نراه متجسدا في تواضعه و إبتسامته التي لا تختفي عن تفاصيل وجهه رجل بسيط آمن بقدراته مع رفاقه و جسدوا قوة سيوف الصحراء بآلاتهم الموسيقية.



واقفين بشموخ ضد السلبيات، الحقد و الجهوية مكررين في كل لقاء لهم حين يسألونهم فيه قائلين لكل الناس "أحبواْ بعضكم"
بالحب الصادق لا نصل للعالمية فقط بل نبني مستقبلا يعمه السلام.

لم يترك هذا الفنان موضوعاً لم يتحدث عنه بداية ب"أنا صحراوي" مظهرا بذلك فخره و إعتزازه بإنتمائه لبساطة الحياة الصحراوية وكرم أهلها رغم ما يكابدون من حر شمس وصعوبة حياة.

من أشهر الأغاني التي عرفها كل العالم و أهتزت بسببها الأجساد رقصاً على أنغامها ممن يعي مقصوده بالكلمات وممن لا يفهمها 
"نك ليغ الزمان" 
لن تشغل هذه الأغنية في أي مكان ومهما كانت الدولة التي تطأها أقدامك إلا ورأيت الناس ترتج بسببها حباً فيها 
حتى أنك ستجد غير الناطقين بالتارقية يحاولون تكرار كلمات الأغنية دون علمهم بفحواها فقط شغفاً بها صنعه سعيد ورفاقه.

وأن يصل الرجل لهذه المكانة فهذا يؤكد حقيقة مشاعره حين يغني لأنه لا شيء يصل لملايين القلوب إلا المشاعر الحقيقية التي تحملها روحه.

عليكم أن تدركوا أني حين أتحدث عن شخص فأنا أعبر بما أحمله من مشاعر حقيقة و وصفي له يكون لرفاقه أيضاً 
ف"تيكوباوين" وغيرها من الفرق لا تتشكل من رجل واحد بل هي مجموعة ولأنهم يتشاركون نفس الطباع و الأحلام جمعتهم الأقدار تحت إسم واحد.

ولكن في هذه الفرقة "حسين تيكوباوين" له مَلَكَة خاصة و هالة جميلة جدا رغم هدوئه الكبير إلا أنني أستشعر منه ذبذبات لا يمكن تجاهلها حين يلاعب الآلة يجعلني أحس أن الغيتارة تشعر كأن والدها يمسح على رأسها حين تحسن التصرف فالألحان التي تعكسها تعبر عن نفسها بحرية كبيرة لأنها نتاج تزاوج أصابع الأب بأوتار الإبنة.



وبما أني عازف "فاشل" ورغم ذلك إنه لمن ضمن أهدافي المسطرة أن أحمل قيثارتي و ألتقي ب"تكوباوين" ودون أن أتحدث معهم أبادلهم الحوار بالموسيقى فقط فأتعرف عليهم أكثر وكذلك هم يتعرفون علي أكثر وسيسعدني ذلك كثيراً. 

سأختم مقالي البسيط هذا الذي أرجو من الله أن يفي هؤلاء المبدعين حقهم فأنا أحمل نفس شغف نشر الأمل والحب والسلام مع هؤلاء الأخوة.
في إنتظار أن نسطر أحرف مستقبلاً عن فنان آخر من صحراء الجزائر.







Share To: