فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "علامات محبة الله للعبد" 


ليس الشأن أن تحب الله تعالى ، فأنت في كل نَفَس وفي كل حركة وسكون في نومك ويقظتك مغمور بنعم الله تعالى :

 { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }

 ( النحل: 53)

فالمؤمنون يحبون ربهم تبارك وتعالى :

 {وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } 

( البقرة:165) 

ولكن الشأن أن يحبك الله تعالى كما قال تبارك وتعالى عن بعض عباده :

 {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } 

( المائدة:54)

فكيف يمكن أن يترقى العبد من درجة المحب إلى المحبوب؟ 
وما هي الأسباب التي تعينه على الوصول إلى هذه الرتبة العالية؟

إن الله عز وجل إذا أحب عبدا عصمه من النار وأدخله الجنة

 فقد روى أنس قال :

 كَانَ صَبِيٌّ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ الْقَوْمَ خَشِيَتْ أَنْ يُوطَأَ ابْنُهَا فَسَعَتْ وَحَمَلَتْهُ وَقَالَتْ ابْنِي ابْنِي .

 قَالَ : فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ .

قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم : 

لا وَلا يُلْقِي اللَّهُ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ .

رواه أحمد

🌴فما هى علامات حب الله لعبده و هو فى الدنيا ؟

🌲يوفقك الله عز وجل للإيمان والتدين :

فقد قال ابن مسعود : 

إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله تعالى يعطي المال من أحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من يحب .

 رواه الطبراني والبخاري في الأدب المفرد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه.

 رواه البخاري .

🌲يحميه من فتن الدنيا وشهواتها :

 روى محمود بن لَبِيدٍ أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال : 

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ .

 رواه أحمد

وفي رواية الترمذي أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال : 

إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ .

وهذا لا يعني أن من أحبه الله أفقره ومن أبغضه أغناه ؛ لكن المقصود أن الله يعصمه من التعلق بشهوات الدنيا ويصرف قلبه عن حبها والانشغال بها؛ لئلا يركن إليها وينسى همَّ الآخرة .

🌲يوفق إلى الرفق واللين وترك العنف :

فقد روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : 

إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق .

 رواه ابن أبي الدنيا .

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم  :

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ .

 رواه البخاري .

فإذا رأيت الرجل ليناً لطيفاً رفيقاً مع الناس عامة ، ومع زوجته وأهل بيته خاصة ، فهذا من علامات حب الله له .

🌲الابتلاء :

روى أنس بن مالك أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال : 

إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ .

 رواه الترمذي ابن ماجه .

و عن سعد بن أبي وقاص قَالَ :
 قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ 

قَالَ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ، ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ .

رواه الترمذي.

🌲يعجل له عقوبة ذنبه في الدنيا ولا يستدرجه :

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ رَجُلاً لَقِيَ امْرَأَةً كَانَتْ بَغِيًّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَ يُلاعِبُهَا حَتَّى بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ : 
مَهْ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أذَهَبَ الشرك وَجَاءَ بِالإِسْلامِ ، فتركها وولى ، فجعل يلتفتُ خلفه ينظر إليها ، حتى أصاب الحائط وجهه ، فاخبر النبي  صلى الله عليه وسلم  بالأمر فقال : 

أَنْتَ عَبْدٌ أَرَادَ اللَّهُ بِكَ خَيْرًا  إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِهِ ، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ عَيْرٌ .

 رواه أحمد .

ولا يعني ذلك أن يسألَ المرءُ ربه أن يعجل له العقوبة في الدنيا ؛ لأن المطلوب من المسلم دائما أن يسأل الله العافية ، لا يسأله البلاء أو العقوبة .

فقد روى أنس بن مالك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : 
عَادَ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ .

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : 

هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ ؟
 قَالَ : نَعَمْ ، كُنْتُ أَقُولُ : 

اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا .

 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : سُبْحَانَ اللَّهِ لا تُطِيقُهُ ، أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ .

 وفي رواية : 

لا طَاقَةَ لَكَ بِعَذَابِ اللَّهِ أَفَلا قُلْتَ : 

اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ؟

 قَالَ : فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ .

رواه مسلم .

🌲توفق لخدمة الناس وإعانتهم وتفريج كربهم :

روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :

أن رجلا جاء إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله ؟
 فقال : أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم ، تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا ، أو تطرد عنه جوعا ، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا يعني مسجد المدينة ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا ، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام .

 رواه الأصبهاني وابن أبي الدنيا.

🌲حسن الخلق :

فعن أسامة بن شريك قال : 

كنا جلوسا عند النبي  صلى الله عليه وسلم  كأنما على رؤوسنا الطير ، ما يتكلم منا متكلم ، إذ جاءه أناس فقالوا :
 من أحب عباد الله إلى الله تعالى ؟ 

قال : أحسنهم خلقا .

رواه الطبراني .

🌲يوفق إلى حسن الخاتمة والموت على عمل صالح :

فعن عمرو بن الحمق قال : 
قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : 

إذا أحبَّ اللهُ عبدا عَسَلَه .

قالوا : ما عَسَله يا رسول الله ؟ 

قال : يوفقُ له عملا صالحا بين يدي أجله حتى يرضى عنه جيرانه أو قال من حوله .

  رواه ابن حبان والحاكم والبيهقي

وفي حديث آخر عن أبي أمامة أن النبي  صلى الله عليه وسلم قال :

 «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا طَهَّرَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ» . 

قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا طَهُورُ الْعَبْدِ ؟ 

قَالَ : «عَمَلٌ صَالِحٌ يُلْهِمُهُ إِيَّاهُ ، حَتَّى يَقْبِضَهُ عَلَيْهِ» .

رواه الطبراني .







Share To: