الكاتب المغربي / محمد بن صالح يكتب مقالًا تحت عنوان " نبدع كي لا نموت "
جــنــون الشــعــر!
بَينَمـا يَذكُرنَنـي أَبصَرنَنـي
دونَ قَيدِ المَيلِ يَعدو بي الأَغَر
قالَتِ الكُبرى أَتَعرِفنَ الفَتـى ؟
قالَتِ الوُسطى نَعَم هَذا عُمَـر
قالَتِ الصُغرى وَقَـد تَيَّمتُهـا
قَد عَرَفناهُ وَهَل يَخفى القَمَـر !
ومن لا يعرف هذه الأبيات!
ومن لا يعرف صاحبها !
ومن لا يعرف عمر بن أبي ربيعة
وشعره الذي تتغنى به السماء قبل الأرض!
يُذكر حين بلغ عمر بن أبي ربيعة من العمر عتيا فكّر في تطليق الشعر
فشعر الغزل الذي كان سيّده في العصر الأموي دون منازع، لم يعد يناسب سنه وشيبه.
وذات يوم حسم أمره، فترك قول الشعر نهائيا دون رجعة، لقد كان قرارا قاسيا على رجل يهوى قول الشعر كعمر
بل يتنفسه ويضخ الهواء لرئتيه!
وكيف سبيل العيش بدون شعر في دولة مضطربة سياسيا، لا شيء فيها يبعث على الأمل.
لا يكاد يمر وقت طويل، إلا ويأخذه الحنين لقول ولو بيتا من الشعر، فالدماء تغلي شعرا
إذ كل الأماكن والوجهات التي يقصدها أو يمر عليها _ لو عرضا _ تُذكره بكل بيت قاله ذات يوم في شقراء أو سمراء او بيضاء...
قلبه _ عمر_ يخفق شعرا وتزداد ضربات الأبيات في ذاكرته، والقلب يحاول إغراء اللسان واللسان يقاوم ويكف عن هذا الإغراء.
وخوفا أن يتسلل الضعف إلى نفسه ويحرج شيبه أمام الناس
أقسم ذات يوم إن لعب به الهوى وآخذه الحنين غصبا عنه في قول الشعر، إلا وأعتق رقبة.
وفي يوم بعثر الحب رجل وحرّك مشاعره، فلم يعرف للنوم سبيلا فكان السبيل والوجهة إلى عمر بن أبي ربيعة؛ كي يشكو لهذ الأخير ما أصاب قلبه وطرد نومه.
ضعف عمر أمام إلحاح الرجل وطلب المساعدة، فاشتد حنينه_ وقد مر زمان طويل لم يقل فيه بيتا_ فما كان منه إلا نظم أبياتا للرجل، وبعدها أعتق على كل بيت قاله رقبة.
والحطيئة واحد من الذين يتنفس الشعر _ خاصة الهجاء_ وهو الذي أفرج عنه عمر بن الخطاب من سجنه_رضي الله عنه_ مقابل هجر الهجاء، ولكنه لم يهجره ولم يقدر على تركه، بل صار يهجو نفسه.
إن الشعر يسكن شعراءه ولا يقدرون على التخلي عنه ولو أعطوا في ذلك العهود والمواثيق.
فالشعراء مجانين وفي الشعر يجدون أنفسهم حين تغيب في رتابة الحياة المملة..
وهذا حال الإبداع والمبدعين في عصرنا
بالإبداع نطلب الحياة ونقاوم الموت!
الكاتب المغربي / محمد بن صالح يكتب مقالًا تحت عنوان " نبدع كي لا نموت "
Post A Comment: