" صحراوي" هذا التوصيف كثيرا ما كنتُ أسمعه يتردد في " الموقف " ، إذ كثيرا ما كنتُ لا أحبذ _ قطعا حينها _ تلك المغالاة في "حشو " ألفاظ الإحترام والتبجيل وهذا ما يجعل الملقب يبدوا في صورة " سوبرمان الصحراء " ، ولكن بعد أن تدرجتُ في ورشات البناء وعلمتني تجربتي ما علمتني حول العمال الكادحين ، كان أبي أكثر الصور صدقا التي ربتني على أن " المنابري " لا يمدح إلا من يستحق ، إن حياة الكداح لا يطيقون المجاملة حتى حين يتمازحون ، ثم كان لي شرف أن أقابل في ورشة عمل رجل الصحراء هذا ، الذي كان بمثل عمر عمي علي ، رجل ، احنيتُ حينها رأسي احتراما ، في ذلك اليوم الحارق من شهر الصيام ، كان الرجل الجنوبي منصب القلب ، وما إن أمضينا نصف ساعة حتى بدى كثير الطرفة وذو ذكاء عال ، كانت الحياة تدبُ في كلامه ، إذ ما رأيته أبدا متذمرا وهذا غالبا أمر يكاد يكون ايقاعا ثابتا في وسط يرتفع فيه الألم الجسدي ورتابة الحياة الاجتماعية ، أسباب كنت حينها أتجاوزها بطرق بائسة ، إذ ما هم رجل الصحراء للعمل صار مغنيا وهنا سر يجيب على السؤال: يضحك العمال ؛ كأن الغناء طقس مصاحب للشقاء ، وخمنت إن الأمر ينجح مع هذا الرجل ، البهجة على وجهه شفاء من سقام المشقة ، إن كل قلب تهجره الموسيقى ستسكنه العناكب ، وقتُ للصلاة وآخر للعائلة ، ثم سمر قصير ، هكذا كان ينهي " الصحراوي " نهارا ليكرره يوم غد بصيحات عالية ، تركت الورشة حينها لأعود إلى الجامعة ونسيت صديقي هذا حين نزعتُ عني حذائي المثقل بالإسمنت ، هنا لي أصدقاء كثر ، يحسنون في اختيار ما يلبسون ويدققون في اختيار عباراتهم ، لكن الواقع لم يكونوا بمثل فصاحة صديقي ذاك ، مضت الأيام سريعا حتى تناسبتُ تجربتي في ورشة البناء ،كان مساء عيد وكالعادة كان مساء ثقيلا أتمنى فقط أن يمضي ، وبينما كنت أتصفح الفايسبوك أقرأ التبريكات والعبارات الرقيقة بمناسبة حلول عيد جديد راسلني شخص عرفت بعدها أنه صديقي ، تبادلنا أطراف الحديث ، سألني عن الحياة في الجامعة وسألته عن عائلته ثم بعد هذا الكلام القليل ودعني متمنيا لي حياة أقل شقاوة ، هذا هو الإنسان البسيط ، هو حتما عمي علي.
Post A Comment: